وليس النبي ملكا أو حاشية لملك، فضلوا بسبب تلك الأمثال، ومن ضل في الطريق يسير في ضلاله إلى أقصى مداه، ولذا قال سبحانه: (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) الفاء عاطفة، أي أنه يتبع هذا الضلال أن صاروا في عماية من أمرهم لا يستطيعون الهداية، ولا يستطيعون معرفة سبيل للنجاة من الضلالة التي أوقعوا فيها أنفسهم بعمايتهم وجهالتهم، وذلك لما أصابهم من غشاوة، وضلال وحيرة في الطرق.
وقد رد اللَّه تعالى عليهم أن أخذوا على النبي - ﷺ - أنه فقير يمشي في
الأسواق، فقال:
(تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (١٠)
تبارك أي تكاثرت وتسامت بركة اللَّه تعالى على أوليائه وعلى المرسلين من عباده، وعلى نبيه محمد - ﷺ - خاتم النبيين (إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)
علقه سبحانه وتعالى على مشيئته التي تكون على مقتضى حكمته، جعل لك خيرا مما يتباهون به، وينتقضون رسالتك، لأنها لم تكن ذات كنوز، ولا حدائق، و (خيرا) مفعول، و (جناتٍ) بدل من خير، وبادر النص بالخيرية لإثبات أن الله تعالى قادر على إعطاء محمد - ﷺ - ما هو أعظم زينة، والخيرية هنا هي خير المظهر، والنعيم الدنيوي، وأما ما هو خير عند اللَّه تعالى جزاء معنويا وماديا فإنه في الآخرة.
(وَيَجْعَلْ لَكَ) معطوف على (جَعَلَ) والجزم على محل جَعَل، لأن (جَعَلَ) جواب الشرط فمحله الجزم، فيكون العطف عطف مجزوم على مجزوم، والقصور هي مساكن عطاء الدنيا التي يتباهى بجمالها، ومتانة بنيانها، وزخارفها، وطنافسها.
ولكن الله تعالى لم يشأ لأنبيائه زخارف الحياة، ولكن اختار لهم مشقة الحياة