(وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣)
وإذا ألقوا في النار، في مكان ضيق منها حال كونهم مقرنين، أي قد قُرئت أيديهم إلى أعناقهم مصفدين، ووصف المكان بالضيق فيه إشارة إلى الشدة، لأن الضيق يقترن بالشدة، والسعة تقترن بالفرح، و (أُلْقُوا) تفيد أنهم لم يدخلوا مختارين بل ألقوا فيها إلقاء كما تلقى الأشياء، وألقوا وهم مصفدون في الأغلال ليس لهم حركة إرادية قط و (مِنْهَا) أي من النار، و (مَكَانًا) ظرف، منصوب لـ (أُلْقُوا)، أي ألقوا في مكان ضيق من النار قد غلت أيديهم إلى أعناقهم، وهم في هذه الشديدة المرهقة، يتمنون الموت بدلها، لأن الموت إنقاذ لهم (دَعَوْا هنَالِكَ ثُبُورًا) (هُنَالِكَ) إشارة إلى البعيد، وفيه إثبات شدة ما هم فيه، والإشارة للبعيد، فقد نادوا ثبورا، أي هلاكا، أي نادوه، لأن هذا وقته، إذ بلغت الشدة قواها، فكان الهلاك إنقاذا لهم مما هم فيه، أو نادوه تحسرا على أنفسهم وعلى ما فرطوا وأساءوا، وقد بين اللَّه تعالى أن هذا الثبور الذي نادوه لاجئين إليه من عظيم الإحساس بالآلام أو متحرين مما نزل بهم، ليس ثبورا واحدا، بل هو هلاك متتال، لا قصور فيه، فقال تعالى:
(لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (١٤)
النهي عن أن يدعوا وينادوا ثبورا واحدا ينقذهم من آلامهم، أو يتحسرون به لما هم فيه، بل هو ثبور متوال عليهم وقتا بعد آخر؛ لأن أسبابه قائمة مستمرة باستمرار حالهم وهي إلقاؤهم في مكان ضيق، يلقى بضيقه وعذابه ووضع الأصفاد التي تجمع أيديهم إلى أعناقهم، فتستمر دعوة الثبور ونداؤهم ما داموا في جهنم، وهي خالدة إذ هم فيها خالدون، وكلما نضجت جلودهم بدلهم اللَّه تعالى جلودا غيرها ليذوقوا العذاب المستمر.
هذه حالهم، وهي حال هلاك مستمر ينادونه ويطلبونها تحسرا، أو إنقاذا مما هم فيه، فهي حياة هلاك متجدد آنًا بعد آنٍ، وقد ذكر سبحانه بعد ذلك حال المتقين بعد الساعة.


الصفحة التالية
Icon