(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً) (لَوْلَا) هنا للحض والتحريض على قدر ما تدركه عقولهم، وكأنَّهم في هذا يعيبون القرآن؛ لأنه نزل مفرقا، ولم ينزل دفعة واحدة، ويعيبون إعجازه، لأنه نزل أجزاء مفرقة، وكل ذلك لتسويغ أفكارهم وكفرهم، وقد رد سبحانه قولهم بقوله عز من قائل:
(كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)، وقد ذكر سبحانه وتعالى حكمتين في نزوله مفرقا على أجزاء تنزل في أوقات متفرقة: أولاهما - هي إيناس النبي - ﷺ -، وتثبيت قلبه على الدعوة باستمرار الوحي نازلا بالقرآن لَا ينقطع، وهذه الحكمة أشار إليها سبحانه بقوله: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) أي أنزلناه كذلك لنثبت به فؤادك فتعرف بالوحي المستمر أن اللَّه معك، الثانية - أشار إليها سبحانه بقوله:
(وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) والترتيل هو قراءة القرآن الكريم على نسق منسق مصور للمعاني الجليلة في التلاوة، فيتلقاه النبي - ﷺ - مرتلا، ثم يقرؤه لغيره من القراء من أصحابه كذلك، وبذلك يتواتر القرآن مرتلا، كما أقرأه جبريل للنبي - ﷺ -، وكما قرأه النبي - ﷺ - على أصحابه، فالقرآن الكريم ليس متواترا بلفظه فقط، بل بلفظه وترتيله، فقد علّم جبريل النبي - ﷺ -، كما جاء في قوله تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)، وقال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْث..).
وإن العرب كانوا أمة أمية، فما كان فيها كاتب عنده القدرة على أن يكتب القرآن كله، ولأن اللَّه تعالى تكفل أن يحفظ كتابه من غير تحريف ولا تبديل، ليحفظه إلى يوم القيامة، فكان ذلك بحفظه في الصدور، وإن ما يحفظ على قرطاس يسهل تحريفه أو تبديله أو حذف جزء منه، أما ما يحفظ في الصدور فإنه يكون في وعي لَا يغير ولا يبدل، ولما أراد اليهود في أفريقيا أن يحرفوا في كتابة المصحف كان الحفاظ وراءهم، وقد ردوا كيدهم في نحورهم.
وقد حسب المشركون لجهلهم وجحودهم أن ذلك ينال من الذكر الحكيم،