ولنتكلم مستشرفين لمعاني القرآن الكريم في الأمرين في الدنيا والآخرة، وقبل أن نخوض فيها خوضا نقرر أنه كما أن اليقين باليوم الآخر خلة المؤمن الدافعة إلى الخير، والتي تجعله يتحمل متاعب هذه الحياة راجيا ما وراءها فإن فقد الإيمان باليوم الآخر ينسى الإنسان نفسه فيعتقد أن هذه الحياة هي وحدها الحياة، ولا حياة بعدها، ويحسب أنه خلق عبثا، ولذا قال سبحانه: (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ)، أي حَسَّن اللَّه لهم أعمالهم، فحسبوها وحدها الخير، ولا يحسبون أن أعمالهم كلها زينة وأمر حسن، فهم دائما ممن زين لهم أعمالهم فرأوه حسنا، فكل أعمالهم لا ينظرون إليها إلا من وراء نفوسهم غير المستقيمة، ولا يعترفون بإرشاد مرشد، ولا هداية هاد؛ واعظ أو زاجر، فهم في لهو دائم عن الحق، وإن من كانت حاله كذلك، قد ضرب على آذانه، فلا يسمع الحق، ولا يهتدي بهديه، قد أهمل عقله وتفكيره، وما أعطاه اللَّه تعالى من مواهب، وفطرة مستقيمة، ولذا قال تعالى: (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) الفاء: لبيان أن ما بعدها مترتب على ما قبلها، أي ترتب على هذا التزيين لكل الأعمال التي يعملون، ويحسبونها زينة يترتب على ذلك أنهم يعمهون.
والعمه: التردد والحيرة، أي ترتب على أن أعمالهم زينتها لهم نفوسهم، أن صاروا في حيرتهم لفطرتهم السليمة التي تريهم الحق حقا، والباطل باطلا، وتزين نفوسهم للباطل حقا، وللحق باطلا، فتكون الحيرة بين الفطرة الهادية والشر المتحكم، والضلال المظلم.
وقد أكد اللَّه سبحانه وتعالى هذه الحال بمؤكدات: أولها بـ إن المؤكدة، وبإضافة التزيين إليه سبحانه، وأن ما يريده الله لَا يتخلف، ولا يمكن أن يتخلف، ولكن التزيين ابتدأ من أنفسهم، وتمكن الشيطان منهم وإغوائهم، وقد ذكر سبحانه بعد وصف حالهم في الدنيا، وهو أن الدنيا تكون لهم مضطربا فسيحا، فإن من الحيرة والاضطراب حالهم في الآخرة، فذكر أمرين أولهما سوء العذاب، وثانيهما أنهم وحدهم الأخسرون، فقال:
(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ