ومن حولها من ملائكة أطهار، فهي أرض طاهرة مقدسة منها كانت رسالة موسى، كما كانت رسالة عيسى عليه السلام من ساعير، ورسالة محمد عليه السلام في فاران. وهي، كما ترى ذلك في التوراة حتى بعد تحريفها في هذه الأيام، وهذه البقعة المباركة. كما صرح سبحانه بذلك في سورة القصص (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠).
والبركة نماء الخير وزيادته، وجعلت البركة في النار؛ لأن النار سبب مجيء موسى إليها، فهو جاء على أنها نار، وليست شجرة مباركة خضراء، ولذا فسر بعض المفسرين النار بأنها النور، وكذلك كانت تلك الشجرة الخضراء نورا إذ بعث فيها رسول من أولي العزم من الرسل، وهو موسى عليه السلام.
وختم اللَّه سبحانه وتعالى الآية الكريمة بتسبيح اللَّه الواجب على عباده، فقال (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي التسبيح الخالص للَّه رب العالمين الخالق والمنعم عليهم بربوبيته الكاملة سبحان، ولا يدركها إلا العالمون العقلاء المدركون إن استقامت مداركهم، واتجهوا إلى الحق وحده غير مضطربين، ولا معوجين، وأن في قوله (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا) هي تفسير للنداء من الحق جل جلاله، فالنداء هو ذكر اللَّه تعالى لهذه البركة النامية المتجددة في كل حين.
(يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)
النداء المتكرر من اللَّه تعالى لكليمه موسى عليه السلام ليؤنسه بذاته العلية، وليشعر بنصرته له أمام من سيرسل إليه، وهو فرعون طاغية الأرض في عصره، ومن تأله، وملك أخصب أرض اللَّه تعالى، وكان يقول أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من حولي.
الضمير في (إِنَّه) ضمير الشأن (أَنَا اللَّه) تدل على قصر الألوهية على ذاته العلية، وذلك بتعريف الطرفين، فليس فرعون الذي تذهب إليه إلها أو شبه