وقد ذكرت ذلك الإنجيلَ الأناجيلُ المنسوبة لبعض الحواريين وهي المعروفة الآن، فقد جاء في إنجيل متى ما نصه: " وكان يسوع يطوف كل الجليل، يعلِّم في مجامعهم، ويكرر ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب " وبشارة الملكوت هي ترجمة دقيقة لكلمة إنجيل، فإن كلمة إنجيل يونانية كما نوهنا، فقد كانت إذن بشارة أي إنجيل غير هذه الأناجيل، وهو المذكور في القرآن، وإن لم يعلم الآن.
(وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ): (الْفُرْقَانَ) هنا هو: القرآن، وكرر ذكره بعد أن ذكرت التوراة والإنجيل، للإشارة إلى الاتصال الكامل بين شرائع الله تعالى، وأنه تتميم لما سبقه، وأنه كمال هذه الشرائع كلها، وأن رسالة النبي - ﷺ - هي آخر لبنة في صرح الشرائع الإلهية، وبنزولها كمل دين الله (١). وكرر ذكره أيضا لوصفه بالفرقان، فهو أتى بمعنى جديد لَا يغني عنه ذكر الكتاب أولا. ووصف القرآن الكريم بالفرقان، لأنه فارق بين الحق والباطل، ومبين للصادق من الكتب السابقة، ولأنه فارق بين عهدين في الرسائل الإلهية؛ فقد كانت رسالات الرسل من قبل لأمم خاصة، ومن بعد كانت الرسالة المحمدية للناس كافة، فمن قبله كانت الرسالات لعلاج أحوال عارضة وقتية؛ أما رسالة القرآن فعلاج لأدواء الإنسانية، وتقرير الصالح لها مهما تختلف الأمصار، وتتباعد الأقطار، ولأنه ميزان الحقائق إلى يوم القيامة؛ ولذلك قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ...).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) ذكر سبحانه عقاب الذين يكفرون بآيات الله، أي معجزاته الباهرة، وآياته المتلوة القاهرة، بعد أن ذكر كتب الديانات الثلاث: اليهودية، والنصرانية، والإسلام؛
________
(١) يشير - رحمه الله - إلى ما ورد عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - ﷺ - قَالَ: " مَثَلِي، وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا، فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ: لَوْلاَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ " وأنَا خَاتمُ النيينَ " وهو حديث متفق
على صحته رواه البخاري: المناقب - خاتم النَبيين (٣٢٧١)، ومَسلم: الفضَائل (٤٢٣٩).