فى الأرض ولا في السماء. وهذه الآية تفيد أن الله سبحانه وتعالى يعلم الإنسان لا بعد أن استوى وصار في أحسن تقويم، بل يعلمه وهو نطفة لُفِظَت، ثم استقرت في الأرحام، ويعلمه كذلك علم المكوِّن المنشئ المربي الذي يتولى بقدرته تصويره حتى يصير بَشَرا سَوِيا.
والتصوير: مأخوذ من مادة صار إلى كذا بمعنى تحول إليه، أو من صَارَهُ إلى كذا بمعنى أماله وحوله، فالتصوير معناه إذن تحويل شيء من حال إلى حال مغمَّرا في شكله وهيئته بإمالته من مشابهة شيء إلى مشابهة شيء آخر؛ وكذلك صنع الله تعالى في النطفة؛ فإنه يحولها إلى علقة، ومن علقة إلى مضغة، ثم يجعل الضغة عظاما، وهكذا، وتحويل الله وتصويره ليس تغييرا في الشكل، بل هو تنمية، وتكوين، وتدرج في هذا التكوين يستمر من وقت إيداع النطفة في مستودعها، حتى يصير إنسانًا في أحسن تقويم، بل يستمر التكوين حتى يبلغ أشده.
والأرحام: جمع رحم، وهو مستودع النطفة في المرأة الذي فيه يتربى وينمو، ويجري تصوير الله له وتكوينه إياه، حتى يبرز في الوجود حيا يحس ويسمع، ثم يعلم ويتعلم؛ والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
وقوله تعالى: (كَيْفَ يَشَاءُ) فيه بيان لأمرين:
أحدهما: أن هذا التكوين تبع لشيئة الله وإرادته، فلم يكن وجوده كوجود المعلول من علته، وكالمسبب من سببه، إنما وجوده وتكوينه ونموه بإرادة الله تعالى ومشيئته، وهو فعال لما يريد.
الأمر الثاني: بيان أن الله وحده هو الذي يجعله ذكرا أو أنثى، وجميلا أو دميما، وأبيض أو أسود، بل إنه سبحانه يكتبه وهو في رحم أمه شقيا أو سعيدا، مؤمنا أو كافرا، عالمًا أو جاهلا، تعالى الله سبحان في علمه علوا كبيرا.


الصفحة التالية
Icon