ولقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية الكريمة فيها رد على بعض النصارى الذين اعتبروا المسيح عيسى ابن مريم إلها؛ لأنه ولد من غير أب؛ فالله سبحانه وتعالى يبين في هذه الآية أنه هو الذي صوره وكونه في رحم أمه، كما يُكوِّن سائر الناس، وما كان الإله قابلا للنمو من الصغر إلى الكبر، ومن النطفة إلى العلقة، فالمضغة، فالعظام، وإذا كان رب البرية قد ألقى في رحم مريم ما هو من جنس النطفة البشرية من غير أب يودعها فإن التكوين الذي يسري على البشر سرى عليه فكيف يكون إلها؛ ويزكي هذا أن الآيات من أول السورة إلى ثمانين آية كان سبب نزولها - فيما يروى في أسباب النزول - وفد نجران ومناقشة النبي - ﷺ -، وسواء أصح ذلك سببا للنزول أم لم يصح فإن الآية فيها رد على من يدَّعي ألوهية المسيح.
(لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في هذه الجملة السامية تقرير للوحدانية وانفراده سبحانه وتعالى بالألوهية وحق العبودية، بعد أن قدم ما هو دليل على هذه الوحدانية، وهو العلم الشامل لكل شيء الذي لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وبعد أن أشار سبحانه إلى أنه المكون لكل شيء وخص الإنسان بالذكر؛ لأنه هو الذي يتمرد ويضل، وكل ما في الوجود مسخر له كما قال تعالى: (هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَميعَا...).
ثم ختم سبحانه وتعالى بالعزة والحكمة، لبيان كمال سلطانه في ملكه الذي خلقه، وإثبات أنه لَا سلطان لأحد معه حي يشترك في عبادته سبحانه وتعالى، وكيف يكون إله لَا سلطان له! ولبيان أن الله سبحانه يدبر هذا الكون بواسع علمه وعظيم حكمته، إنه على كل شيء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.
* * *