(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)
* * *
في الآيات السابقة ذكر سبحانه منزلة القرآن بين الكتب السماوية، وأنه فرقانُها وميزانها، وذكر أنه سبحانه وتعالى العليم بكل شيء، الذي لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو العليم بخلقه، والعليم بما ينزل عليهم من آيات بينات، والعليم بمداركهم البشرية، وطاقاتهم العقلية، يطالبهم بما يدركون ويكلفهم ما يستطيعون؛ وفي هذه الآية يبين أقسام القرآن من حيث قوة إدراكهم له، وتطلعهم لفهمه، وتباين مقاصدهم في طلب حقيقته ومعناه، وغايته ومرماه؛ وفيها بيان أنه قسمان: قسم لَا تدركه كل العقول، وقسم تدركه كل العقول الميزة، وأن ما يعلو على الإدراك، أصله ما أدركه كل الناس. ولذا قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) الضمير يعود إلى الذات العلية التي وصفت في الآيات السابقة، إذ قد وصف ذاته - جلت قدرته - بأنه الحي القائم على كل شيء، والذي به يقوم كل شيء، وبأنه منزل الكتب من السماء، وجاعل القرآن ميزانها، وأنه سبحانه لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه سبحانه الذي يعلم الإنسان منذ يكون نطفة في بطن أمه إلى أن يصير إنساناً مستويا كامل التكوين، وهو الذي يصوره ذلك التصوير، ويكونه ذلك التكوين، وهو العزيز الغالب المسيطر على كل شيء خلقه، ولا شيء في الوجود إلا كان خلقه، الذي يتصرف في هذا الكون بمقتضى حكمته وعلمه بكل شيء؛ فقوله تعالى: