والمتشابه ينتهي كما ذكرنا إلى أحد معنيين؛ إما أن نقول إنه الغيب الذي لا يستطيع الإنسان معرفته، كحقيقة الروح، وحقيقة الجن والملائكة، وما يكون يوم القيامة، وكيف يكون نعيم الجنة الحسي، وعذاب الجحيم المادي، وكيف ينشئ الله الخلق، وكيف يعيده، وكيف يتجلى سبحانه يوم الحساب، وهكذا مما غيبه الله تعالى علينا؛ لأن عقولنا مأسورة بالحس الذي نحسه، وبالمادة التي ندركها، وعلم الغيب قد أخفاه الله سبحانه عنا؛ لأنه يعلو عن مداركنا في هذه الدنيا، وعلينا أن نؤمن بما أخبرنا به القرآن الكريم، وما جاءت به السنة الصحيحة؛ فإن من صفات أهل الإيمان الإيمان بالغيب، إذ قال سبحانه في أوصافهم: (الَّذينَ يُؤْمنُونَ بِالْغَيْب وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).
هذا هو الوجه الأول الذي يحتمله تفسير كلمة المتشابه.
أما الوجه الثاني فمعنى المتشابه أنه الذي يدق معناه إلا على طائفة خاصة من أهل العلم، كبعض العبارات القرآنية الخاصة بالكون وتكوين السماء والأرض، وبعض ما ذكر في القرآن من أوصاف لله سبحانه وتعالى، ونحو ذلك من الحقائق التي لَا يخوض فيها إلا أهل الذكر، وهي دقيقة في معناها.
هذان هما الوجهان اللذان تحتملهما الآية الكريمة، ويدخل في عمومهما كل الأقوال التي قيلت في هذا المقام (١). ونرى أن كلا الوجهين تحتملهما الآية، من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، بل يصح لنا أن نقول:
________
(١) جاء في هامش الأصل: اختلف المفسرون في المحكم والمتشابه على أقوال كثيرة:
١ - منها أن المحكم ما اتفقت عليه الشرائع السماوية، والمتشابه ما خالف فيه الإسلام ما سبقه.
٢ - ومنها أن المتشابه أوائل السور المبتدأة بالحروف.
٣ - ومنها أن المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ.
٤ - ومنها أن المحكم ما كان دليله واضحا والمتشابه ما يخفى دليله إلا على الراسخين.
٥ - ومنها أن المحكم ما أمكن الاستدلال عليه بدليل جلي أو خفي، والمتشابه ما لَا يمكن الاستدلال عليه.
٦ - ومنها أن المحكم ما فيه بيان الحلال والحرام والمتشابه ما سواه.
٧ - ومنها أن المتشابه ما احتمل في تأويله عدة وجوه، والمحكم ما لَا يحتمل إلا وجها واحدا.
٨ - ومنها أن المحكم والمتشابه في القصص، فما فصل منها محكم، وما أجمل متشابه.