والأرحام هنا هي كل الصلات الإنسانية التي وصل بها بين الخلق بخلقهم من نفس واحدة، وبالأولى تدخل الأرحام الخاصة، والقرابات القريبة.
ويصح أن يكون المعنى اتقوا الله الذي تتساءلون به وبالأرحام، وتكون الواو واو المعية، وتتلاقى هذه مع قراءة الكسر (١)، وقراءة الكسر قد تتعارض مع قواعد النحاة الذين قد يقولون إن العطف لَا يكون على ضمير موصول مجرور، ولكن قراءات القرآن المتواترة فوق قواعد النحاة، وهي أصدق في الفصحى.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) هذا ختام للآية الكريمة فيه حث على المبالغة في التقوى ورعاية الرحم، والصلات الإنسانية التي تربط بين الناس بعضهم للوحدة الإنسانية الشاملة، وكان الحث على التقوى لإشعارهم جميعا بقوة رقابة الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر العلي القدير رقابته مؤكدة بأوثق توكيد، فأكدها بـ " إنَّ " وبتكرار لفظ الجلالة الذي يربي في نفس المؤمن كل معاني العبودية، وبالتعبير بـ " كان " الدالة على الدوام والاستمرار، وبذكر الفوقية في قوله تعالى (عَلَيْكمْ) وهي دالة على معنى الاطلاع الدائم مع السيطرة والقهر، وأخيرا بصفة المبالغة إذ قال. (رَقِيبًا) وإن الله يؤكد صلة الأرحام بهذا وباقترانها به في الذكر وباقترانها به عند السؤال باسم الله تعالى، ويقول الزمخشري: " وقد آذن عز وجل إذ قرن الأرحام باسمه - أن صلتها منه بمكان كما قال تعالى: (... أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...)، وعن الحسين: إذا سألك بالله فأعطه، وإذا سألك بالرحم فأعطه ".
* * *
________
(١) هي قراءة حمزة كما سبق بيانه.
(وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ... (٢)
* * *
أوجب سبحانه وتعالى الرحمة العامة في الآية السابقة وأخصها ما كان في الأسرة الواحدة، وقد ابتدأ في هذا بأحق الناس بالرحمة العاطفة، والمودة الواصلة، وهم الذين نزلوا إلى هذا الوجود من غير حامٍ غير الله تعالى يحميهم، ولا قلب يحنو عليهم حنو الوالد الشفيق، وأولئك هم اليتامى، واليتم معناه: (الانفراد) واليتيم هو الصغير الذي مات أبوه، وقد حث الله تعالى على إكرام اليتامى في آيات كثيرة، وأحاديث نبوية


الصفحة التالية
Icon