ومن هم أولئك الذين لَا توجد منهم التوبة، حتى لَا يتصور قبولها؛ ذكر الله فريقين: فريق العصاة من المسلمين، وفريق الذين يموتون وهم كفار، أما فريق العصاة من المسلمين فقد ذكر لهم وصفين أو أمرين: أحدهما - أنهم يعملون السيئات، أي تتعدد أنواع السوء، وتكثر وتشيع في النفوس، حتى يَرْبَدَّ القلب بها وَيَسْوَدَّ، وهم الذين قال الله تعالى في أمثالهم: (بَلَى مَن كَسَبَ سيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فالفرق بين هؤلاء ومن سبقوا أن الأولين ارتكبوا في غفوة من الضمير، ولم يمت. وأما هؤلاء فقد مات وجدانهم الديني، كأولئك الذين نراهم سادرين في الفساد وقد استهانوا بكل المحرمات الدينية والتكليفات الربانية. والوصف الثاني أنهم لَا ينطقون بالتوبة في وقت الاختيار، بل ينطقون بها في وقت الاضطرار؛ ولذا قال سبحانه: (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ).
أي أنهم يستمرون في غيهم يعمهون، لَا يستيقظ لهم ضمير، ولا يقلعون عن معصية، حتى إذا أزفت الآزفة، وحضر الموت، ولم يكن مناص من أخذهم، قال قائلهم: إني تبت الآن، ولم يقل سبحانه عن حالهم إنهم تابوا، بل حكى قول أحد: (إِنِّي تُبْتُ الآنَ) مما يدل على أنهم لم تقع منه توبة قط، وقوله لا يعد توبة في حقيقته، وإن سماه هو توبة.
وقد ذكر سبحانه من عصاة المسلمين فريقين:
أحدهما: الفريق الذي يتوب من قريب وقد ارتكب السوء بجهالة، وقد وعد سبحانه بأنه يقبل التوبة منه، وتفضل سبحانه فجعل القبول حقا عليه، وهو فوق عباده.
والفريق الثاني: أولئك الذين استمروا في غيهم حتى أدركهم الموت. وبقي ثالث لم يذكره سبحانه، وهو الذي لم يتب من قريب، ولكنه تاب قبل أن يحضره الموت، فما شأن هذا الفريق الثاك؛ قال مفسرو السلف إنه يعدُّ قد تاب من قريب، وإن تأخر في الزمان بالنسبة لأجله، ما دام قد تاب قبل أن يحضره