فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠).
وإن الحقد الذي سكن قلوب الذين يخالفونكم من أهل الكتاب لَا يسوغ لكم أن تتخذوا منهم نصراء، فإن بعضهم نصراء لبعضهم، وإن الذي يرضى أن يكونوا أولياء عليه يكون منهم، وإن من يفعل ذلك يكون مرتدا عن دينه خاذلا له، ومن يرتد عن دينه لَا يخسر الله تعالى به شيئا، بل سيخلفه في الإسلام قوم يحبهم الله ويحبونه، بعد أن زال فساد المنافقين المرتدين.
وبَيَّنَ سبحانه وتعالى أن الولاية للَّه وحده وأن اليهود يتخذون الإسلام هزوا ولعبا، وأنهم يسارعون في الإثم والعدوان متنقلين في دركاتهما، وأن الذي أفسدهم أنهم لَا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وأنهم لم يقيموا التوراة والإنجيل، وقد أمر الله نبيه في وسط ذلك الغبار الذي يثيرونه أن يبلغ ما أنزل إليه، وقد بَيَّنَ سبحانه بعد ذلك أنه من يخلص لله يدخل الجنة؛ لأنه لَا محالة سيدرك ما جاء به محمد ويؤمن به، ولقد بين سبحانه كفر الذين ألَّهوا المسيح، وقالوا: إن الله - تعالى - ثالث ثلاثة، وبَيَّنَ أنه يجب أن يرجعوا إلى الله تعالى، ولكنهم غلوا في دينهم، فغلا النصارى في شأن المسيح فقدسوه وألَّهوه، وغلا اليهود في الطعن فيه، وهموا بقتله، وادَّعوا أنهم قتلوه.
وقد بين سبحانه وتعالى بعد ذلك مراتب أعداء المؤمنين، فذكر أنه في المرتبة الأولى في العداوة اليهود والمشركون، والنصارى أقرب مودة من غيرهم، وذكر سبحانه حال النصارى في عهد النبي - ﷺ -، وقد كانوا يسارعون إلى الإيمان إذا سمعوا الحق كما قال تعالى: (وَإِذَا سَمعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ ممَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
بعد هذا البيان المعجز، الذي ابتدأ بذْكر آثار الحسد والحقد في ابني آدم إذ قربا قربانا، ثم ما أدى إليه الحقد من كفر وطغيان، وطمس للحقائق، ومعاندة


الصفحة التالية
Icon