يفعل اليهود من نقض للمواثيق المؤكدة، وإن الأصل اللغوي لمعنى كلمة عقد أنه ربط لطرفي شيء، ومنه العقدة، وقد أطلق على الربط بين كلامين كالعقود القائمة، وأطلقه القرآن كما في هذا النص على كل الأحكام الواجبة الطاعة لها؛ لأنها تشمل معنى الربط؛ لأن المؤمن بمقتضى إيمانه قد عاهد الله تعالى على طاعته، والأخذ بكل ما يأمر به، وبكل ما ينهى عنه، وقد جمع الراغب الأصفهاني معنى كلمة عقد فقال: " العقد: الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل، وعقد البناء، ثم يستعار للمعاني فيقال نحو عقد البيع والعهد وغيرهما، يقال: عاقدته، وعقدته، وتعاقدنا، وعقدت يمينه... ".
والعقد على هذا: كل ارتباط يرتبط به المؤمن بموجب النقل أو بموجب العقل، وهو ما يدركه بالبديهة وأدنى نظر، سواء أكان بينه وبين نفسه بمقتضى إيمانه وخُلقه وإنسانيته، أم كان بينه وبين غيره، وكل هذا واجب الوفاء بحكم الله تعالى، فأوامر الله تعالى ونواهيه واجبة الوفاء، وعقود الإنسان مع غيره واجبة الوفاء إلا أن يكون فيها مخالفة لأمر الله تعالى ونهيه، فكل اتفاق على خلاف ذلك رد على صاحبه، ولا وفاء فيه، لقول النبي - ﷺ -: " المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " (١) ولقوله - ﷺ -: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولوكان مائة شرط " (٢) ولأن تنفيذ العقود التي تتضمن خلاف ما جاء عليه الشرع يكون تنفيذها نقضا لعهد المؤمن الذي يجب تنفيذه، وهو طاعة
________
(١) ذكره البخاري تعليقا: الإجارة - أجر السمسرة بلفظ: " المسلمون عند شروطهم " وأخرجه الترمذي: الأحكام - في الصلح (١٣٥٢) عن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ الْمُزَنِيُّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: " الصُّلْحُ جَائِز بَيْنَ الْمُسْلمينَ إِلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلالا أَوْ أحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلا شَرْطا حَرَّمَ حَلالا أو أَحَلَّ حَرَامًا " قَالَ أبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَن صَحِيح.
(٢) ذكره البخاري تعليقا: بَاب الْمُكَاتَبِ وَمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الشرُوطِ التي تُخَالفُ كِتَابَ اللَّهِ، ورواه ابن ماجه: الأحكام - باب المكاتب (٢٥٢١) عَنْ عَائِشَةَ زَوْج النًّبِيِّ - ﷺ -، كما رواه أحمد بلفظ مقارب: مسند الأنصار - باقي المسند السابق (٢٥٢٥٨) عن عائشة رضي الله عنها.