وعلى هذا قال الشافعي وأحمد: إذا أكل منه الكلب لَا يحل؛ لأنه لم يمسك على من أرسله، إنما أمسكه على نفسه، وقال الإمام مالك: ما دام قد عاد به ولو مأكولا منه، فقد أمسكه على صاحبه، وقد روي ذلك عن بعض الصحابة، كعبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وسلمان الفارسي، وقد وردت أحاديث تفيد أنه يأكل منه صاحبه، وإن أكل الكلب منه.
والحنفية فصلوا تفصيلا حسنا في تفسير قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمُ) فقالوا: إن عاد بأكثره فقد أمسك على صاحبه، وإن عاد بأقله، فقد أمسك على نفسه، وبذلك يقع النهي عن الأكل الذي ورد عن النبي - ﷺ - فكان تفصيلهم تفسيرا لقوله تعالى: (أَمْسَكْنَ عَلَيْكمْ).
والأحاديث الواردة في الباب تشترط كلها أن يذكر اسم الله تعالى عند الإرسال ليقوم الصيد مقام الذبح، وهذا هو قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّه عَلَيْه وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
ثبت من الأحاديث - وقد روينا بعضها - أن ذكر اسم الله تعالى يكون عند الإرسال، لَا عند الأكل، وإن التسمية عند الإرسال تقوم مقام التسمية عند الذبح، وإن الإرسال مع التسمية على من أرسله يكون كالتذكية الشرعية إلا إذا أدرك حيا، فإنه لَا بد من التذكية؛ لأن قيام التسمية والإرسال مقام التذكية لتعذرها، إذا جيء به حيا فإن التذكية ممكنة فلا يغني عنها ما يقوم مقامها، عند عدم إمكانها، والواو في العطف لَا تقتضي ترتيبا ولا تعقيبا، وذكرت آخرا لأنها من تقوى الله تعالى، فكان اقتراتها بالأمر العام بالتقوى من التنسيق البياني الحكيم، وهو الذي يتناسب مع الذكر الحكيم.
واختلف العلماء في التسمية عند الإرسال كاختلافهم في وجوب التسمية عند الذبح، فقال الظاهرية: إنها واجبة حملا للأمر هنا على الوجوب، ولقوله تعالى في مقام آخر: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ...). وقال الشافعي: إنها مستحبة هنا، وقريب من ذلك قال الحنفية: إلا أن يكون الترك


الصفحة التالية
Icon