أولهما - أن المراد من القيام إرادة القيام، وعلل التعبير عن إرادة الفعل، بكلمة تدل على الفعل بأن ذلك من قبيل المجاز؛ لأن إرادة الفعل سبب الفعل، وقد يطلق المسبب ويراد السبب، كمن يقول إن فلان أسكرني أي سقاني السكر، وفوق ذلك إن الفعل يوجده بالقدرة عليه، وإرادته له. وقصده إليه وميله له وخلوص دواعيه، وإن هذا كله يسوغ أنه يعبر عن الإرادة مع القدرة والقصد بذات الفعل، كقوله تعالى: (... كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نعِيدُهُ وعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ).
والجواب الثاني - أن قوله تعالى: (قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) معناه: تهيأتم لها واستعددتم، يقال: قام للأمر إذا تهيأ له وأخذ الأهبة للاستعداد له، والدخول فيه، ويرشح لهذا المعنى في نظرنا التعدية بـ " إلى "؛ إذ مؤاده استعددتم وتهيأتم متجهين للصلاة، وذلك لَا يكون بأدائها، إنما يكون بأخذ الأهبة لها، والسير إليها.
وإن هذا النص الكريم: (قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ)، وما اشتمل عليه من عبارات يفيد أمرين بظاهره:
أولهما: أن الوضوء، وهو يشتمل على الأركان الأربعة وغسل الوجه واليدين ومسح الرأس، وغسل الرجلين لَا بد فيه من القصد إليه وإرادته، وعلى ذلك تكون نية الوضوء بالقصد إليه لأجل الصلاة، باعتبار أن قصده لأجل الصلاة، لَا للنظافة ونحوها - لَا بد منها لتحقق الوضوء لأنه للتهيئة لأجل الصلاة.
وقد قال مالك والشافعي؛ وأحمد والليث بن سعد؛ وإسحاق بن راهويه، وأئمة آل البيت: إن النية ركن من أركان الوضوء ومعناها القصد إلى الصلاة بالوضوء طالبا رضا الله تعالى، وقد فسرها البيضاوي بقوله: " النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا، والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضا الله تعالى، وامتثال حكمه ".