وعلى ذلك تكون النية المطلوبة في الوضوء عند الذين قرروها - القصد إلى الوضوء مبتغين رضا الله تعالى، ويستدلون على فرضيتها في الوضوء بأن الوضوء عمل من أعمال القربات، والنبي - ﷺ - يقول: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " (١).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن النية في الوضوء ليست بفرض، لأن الوضوء ليس عبادة مقصودة، ولكنه وسيلة للعبادة، والنية شرط في العبادة نفسها باعتبارها المقصد، وليست فرضا في الوسيلة، بل الوسيلة تتحقق بمجرد تحقق الغسل للأعضاء المذكورة والمسح للرأس، فمن حصل منه هذا، ولو لم يقصد العمل لأجل الصلاة يتحقق الوضوء، ويستدلون على أن الوضوء وسيلة للعبادة بظاهر الآية، إذا كان النص الكريم: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) فهو شرع سبيلا لعبادة ووسيلة، وليس غاية.
والأمر الثاني الذي يفيده ظاهر النص (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ): وهو أن الوضوء واجب عند التهيؤ والقيام لكل صلاة، فالوضوء واجب لكل صلاة، وبذلك قال الظاهرية، فقالوا: إن الصلاة واجبة لكل مفروضة، وأخذوا في ذلك بظاهر النص الكريم، ولكن الثابت في السنة غير ذلك، فقد روي عن النبي - ﷺ - أنه كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح مسح على خفيه فصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: " صنعت شيئا لم تكن تصنعه " فقال - ﷺ -: عمدا فعلته " (٢). ومعنى ذلك أنه - ﷺ - فعله عمدا في هذه الجموع الحاشدة ليبين أنه ليس بفرض أن يتوضأ لكل صلاة. فدل هذا على أن
________
(١) متفق عليه وقد سبق تخريجه.
(٢) رواه الترمذي: الطهارة - يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد (٦١)، والنسائي: الطهارة - الوضوء لكل صلاة (١٣٣)، عن بريدة بن الحصيب، كما رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه بلفظ: " عمدا صنعته ".


الصفحة التالية
Icon