الوضوء لكل صلاة ليس بمطلوب على جهة الفرضية، وقد ادعى بعض الناس أن الوضوء لكل صلاة كان فرضا ثم نسخ وإن هذا الكلام منقوض؛ لأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا، ولأن أحاديث الآحاد لَا تنسخ القرآن، ولأن الآية ليست قاطعة في وجوب الوضوء لأجل كل صلاة.
والذي نراه أن الآية في الذين قام بهم موجب الوضوء من إحداث ما ينقض الوضوء السابق، والدليل على ذلك قوله تعالى:
(وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ منكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فدل هذا بصريح اللفظ على أن موجب التيمم هو إحداث الحدث الموجب للوضوء، إذا لم يكن الماء، فيقوم التراب مقام الماء، وهذا يدل على أنه لَا يكون الوضوء واجبا للصلاة إلا إذا حدث نقض للوضوء السابق، والآية بيان واحد يتمم بعضه بعضا.
(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) ولنذكر هذه الأركان ركنا ركنا وقبل ذلك نذكر أمرين:
أولهما: أنه في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) فيها قراءتان إحداهما بفتح اللام على حذف فعل، والمعنى: امسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم، والثانية - قراءتها بكسر اللام عطفا على قوله تعالى: (بِرُءُوسِكُمْ) (١) والمعنى: هو الغسل لَا المسح، بحمل القراءة الثانية على القراءة الأولى، ويكون السبب في عطفها على الرءوس، للإشارة إلى وجوب عدم الإسراف، لأن الرجلين مظنة الإسراف في الماء، فعطف وجوب الغسل فيها على وجوب المسح لمنع الإسراف، بحيث يكون الغسل ليس بعيدا بُعدا تاما عن المسح.
________
(١) (وأرجلَكم) قرأها بالفتح: ابن عامر، ونافع والكسائي، ويعقوب وحفص، وأبو زيد عن المفضل عن عاصم، والأعشى إلا النقار، وقرأ الباقون بالجر. غاية الاختصار - سورة المائدة - (٧٩٩).


الصفحة التالية
Icon