والعمل الصالح الذي هو الطاعة، والذي هو استجابة لأوامر الله تعالى ونواهيه هو العمل الذي يكون فيه نفع للناس، ودفع للفساد في الأرض، وليس فيه ما يسوء أهل الخير، وقد جاء في كتاب غريب القرآن للأصفهاني: " الصلاح ضد الفساد، وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقوبل في القرآن تارة بالفساد، وتارة بالسيئة قال تعالى: (... خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا...)، وقال تعالى: (... وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا...).
وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) في مواضع كثيرة... وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحا، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد إصلاحه، وتارة بالحكم له بالصلاح... ".
وإذا كان عمل الصالحات هو استجابة المؤمن لأمر الله ونهيه، أو تنفيذ لقول المؤمنين: " سمعنا وأطعنا " فمؤدى ذلك أن الله تعالى لَا يكلف عباده إلا ما فيه صلاح أمورهم ورفع الفساد عنهم، فما من أمر كلف الله تعالى عباده أن يقوموا به إلا كان فيه صلاح لهم ومنفعة، وما من أمر نهاهم عنه إلا كان فيه مفسدة، وعلى مقدار ما في الشيء من نفع تكون قوة المطالبة به، وعلى مقدار ما فيه من شر يكون مقدار النهي عنه، وبذلك يتبين أن الشرع الإسلامي كله جاء لخير العباد وصلاحهم، والرحمة بهم، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالمِينَ)، وعلى ذلك لَا يصح لمؤمن بالله واليوم الآخر، أن يقول: إن نصوص القرآن أو السنة جاءت بأحكام فيها مضرة؛ فإن ذلك أقصى العناد، وغاية ما يريده أهل الفساد، وما يبتغيه الذين يريدون أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم.
وقد ذكر سبحانه وتعالى ما وعد به الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقال: (لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ). فهذا النص الكريم هو بيان للوعد الذي وعد الله تعالى به عباده المؤمنين، فذكر الوعد بهما في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). ثم ذكر البيان، وفي ذكر البيان بعد الإبهام فضل تمكين للإعْلام،