وإن كان المشركون لم يؤمنوا لإعراضهم عن البينات، فقد أنذرهم سبحانه بعاقبة أمرهم، ببيان عاقبة من سبقوهم بعد جحودهم، وأشار سبحانه وتعالى إلى طموس مداركهم، وجحود نفوسهم، وعدم تلقيهم للنور والهداية، وأنه لَا يجدي معهم توجيه، ولا دليل حتى أنهم - لو نزل إليهم من السماء كتاب في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الجاحدون: إن هذا إلا سحر مبين، كما قال الجاحدون برسالة عيسى - عليه السلام - عند إحيائه الموتى، وإبرائه الأكمه والأبرص، ونزول المائدة، قالوا: إن هذا إلا سحر مبين.
وأن الجاحدين شأنهم الاستهزاء بالحق إذ جاءهم، وأن على النبي - ﷺ - أن يتأسى في استهزائهم به بما كانوا يفعلون مع الأنبياء السابقين، وبين سبحانه وتعالى سوء عاقبتهم.
ولقد بين سبحانه من بعد ذلك طائفة من ضلال تفكيرهم باستهزائهم عند ذكر خالق السماوات والأرض، ويتولى - عليه الصلاة والسلام - الإجابة مبينا أن الله كتب على نفسه الرحمة، وأن من رحمته أن يجمع الناس يوم القيامة، بيَّن ثواب المحسن وعقاب المسيء ثم بين سبحانه وتعالى ملكه لكل شيء وسلطانه الذي فوق كل شيء، وإذا كان الله مالك كل شيء وفاطر السماوات والأرض - لا يمكن أن يتخذ الرسول وليا نصيرا غيره سبحانه، وأن يكون أول من يسلم وألا يكون من المشركين، وأن يخاف عذابه إن عصى، ولا فوز إلا لمن يصرف عنه عذاب يوم القيامة.
وإذا كان سبحانه يملك كل شيء، فهو كاشف الضر إن مس الإنسان، وهو القادر على النفع، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير، وإذا كان المشركون يستمرون على عنادهم فالله هو الشاهد الحكيم بين الرسول وبينهم، وشهادته أكبر شهادة، وأن هذا القرآن أوحى به إلى الرسول لينذر به المشركين ومن يبلغه دعوة النبي - ﷺ -، وإن كنتم أيها المشركون تشهدون أن مع الله آلهة أخرى فالنبي - ﷺ - لا يمكن أن يوافق على هذه الشهادة، بل لَا بد أن يكذبها.


الصفحة التالية
Icon