وأخذ بعد هذه الهداية يحاجُّ قومه ويحاجُّونه ويذكر لهم أن أوثانهم لا تضر ولا تنفع، فليسوا موضع خوف منه، وهم الجديرون بأن يخافوا؛ لأنهم يشركون بالله ما لم ينزل به حجة تدل على صحة الإيمان بهم، ثم قال: (... فَأيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). لَا شك أن أحق الفريقين بالأمن الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك، وتلك حجة الله تعالى الذي أجرأها على لسان إبراهيم - عليه السلام - وأجراها من بعده على ألسنة الأنبياء من بعده، وعلى نوح من قبله. وقد ذكر سبحانه وتعالى الأنبياء من ذريته، وقد آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة، وكان من أقوامهم من آمن، ومنهم من كفر، فإن يكفر المشركون من العرب الذين بعث إليهم محمد - ﷺ - فغيرهم مؤمن؛ وهم يقاومون الشرك، وقد بين سبحانه وتعالى العبرة في قصصهم، فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠).
وقد بين سبحانه وتعالى بعد قصة إبراهيم أن الذين يشركون ما قدروا الله حق قدره، وقد نفوا رسالة الله تعالى، فسأل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، وقد كان يعرف أن لليهود كتابا، وقد بين أن اليهود يخفون بعضه وهو كثير ويظهرون بعضه، ولا يصح أن يقتدوا بآبائهم؛ لأنهم علموا ما لم يعلموا من قبل، ولم يعلمه آباؤهم.
وذكر سبحانه بعد ذلك منزلة القرآن، وهو أنه كتاب مستمر بهدايته واتباعه، وأنه نزل على محمد الذي علمتموه أمينا عدلا لَا يكذب، ولا أحد أظلم ولا أكذب ممن يدعى أنه أوحى إليه، ولم يوحَ إليه بشيء.. ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله من المشركين وأشباههم، وصور سبحانه وتعالى حال الظالمين، وهم في غمرات الموت باسطي أيديهم بالمنجاة، ويقال لهم: اليوم أخرجوا أنفسكم بما كنتم تقولون على الله غير الحق، وكنتم عن آياته تستكبرون، وأنهم سيذهبون إلى الله مجردين عن الأتباع والنُّصَراء، وتركوا ما مكنوا فيه من أموال وبنين وأولياء وراء ظهورهم، وكانوا كما خلقهم أول مرة، وليس معهم الشركاء الذين