زعموا أنهم يشفعون لهم: (... لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ).
بعد هذه الأدلة الساطعة، والقصص المذكِّر، والتوجيه المنبه، بين سبحانه أنه وحده المنشئ على غير مثال سبق، فهو الذي يفلق الحب فيكون منه النبات، ويفلق النوى فيكون منه الشجر، وهو يبدع الحياة في هذا النبت الجامد، ويخرج ذلك البذر الجامد من الأغصان الرطيبة، وهو الذي يخرج الإصباح من الظلام، ويجعل الليل سكنا واطمئنانا بعد كدح النهار، وهو الذي يجعل الشمس والقمر بحسبان، وكل ذلك بتقديره، وهو العزيز العليم، وهو الذي زيَّن السماء بالنجوم لتهتدوا بها في ظلمات البحر، وذلك ليكون أمارة وجوده ووحدانيته لقوم يعملون عقولهم، ولا تتسلط عليهم أوهامهم، وبعد أن بين ذلك التوجيه العام في خلقه؛ اتجه إلى بيان خلق الإنسان فأنشأ بني الإنسان من نفس واحدة، واستقر في هذا الوجود، وأودع الأرحام ودائعها، وتلك آيات لمن يؤمن، وينفذ ببصيرته إلى حقائق الأمور، وبين من بعد ذلك، الثمرات التي تكون من التقاء السماء بمائها بالأرض فيكون أطيب الثمار، وأطيب الزرع، وما فيه من عجائب، وبين تنوع الخلق، فأشار سبحانه إلى النخيل والأعناب والزيتون والرمان، والمتشابه، وغير المتشابه، وما يكون من ثمرات، وفي كل ذلك لمن يؤمن بالحق ويذعن للحقائق.
ومع كل هذه الآيات البينات التي يدركها من يعقل، ويصل إلى الحقائق فيها من يفقه، ويذعن لها من يؤمن بالحق ولا يماري فيه - مع كل هذه الآيات وجد من جعلوا له شركاء من الجن وهو الذي خلقهم، ومن يحمقون، فيدعون أن لله بنات وبنين سبحانه وتعالى عما يصفون. إنه سبحانه خلق السماوات والأرض كيف يكون له ولد ذكر أو أنثى وليست له صاحبة، وإذا كان الله تعالى خالق كل شيء فهو وحده المستحق للعبادة وحده، وهو سبحانه المنمِّي لكل شيء بعد خلقه.


الصفحة التالية
Icon