السماوات والأرض وخلق الإنسان، فإن هذا من أسباب السلطان الكامل على السماوات والأرض ومن فيهن، وهو مظهر كامل لكمال قدرته سبحانه وتعالى، وهذا قوله تعالى:
(الْحَمْدُ للَّه الَّذي خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)
الحمد معناه اللغوي: الثناء على المحمود بالفعل الاختياري الذي يقوم به، فلا يحمد على فعل كان بالجبلة والتسخير، إنما الحمد يكون ثناء على فعل اختياري، الحمد بمعنى الثناء مراتب، أدناه الثناء على العباد في أعمالهم الاختيارية. واستعماله في القرآن في الثناء على العباد قليل إلا إذا كان في التنديد بطلبهم للحمد مثل قوله تعالى: (... وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا...). وأعلى من هذا مرتبة الثناء على الله تعالى بما هو أهله، وذكر صفاته، والإحساس بجلائل نعمه، ولهج لسان العبد بهذه النعم.
والمرتبة العليا شكر هذه النعم والخضوع المطلق له سبحانه، والقيام بحق عبادته، وإفراده بالعبودية، وإن ذلك هو المطلوب من العباد، وهو أعلى الشكر، وقد قال سبحانه: (... لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ...)، والشكر امتلاء القلب بذكر الله تعالى وذكر نعمه، وشكرها، وهو الذي طالب به القرآن الكريم كما قال تعالى: (... اذْكرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ...)، و " أل " هنا للاستغراق، والمعنى أن المستحق لكل أنواع الحمد ومراتبها هو الله تعالى، فهو المستحق للعبادة، وهي أعلى درجات الحمد، وهو الجدير بكل حمد، دون غيره، وإذا كان ثمة حمد للعباد فهو إن كان على خير أسدوه كان حمد الله تعالى لتوفيقهم وعونهم، وإن كان الدافع على الثناء غير الخير، فهو ليس بحمد، وإنما هو كذب وافتراء على الحق وتعاون على الشر. وفد ذكر سبحانه أسباب ذلك الحمد الذي بلغ أعلى درجاته، فقال تعالت كلماته:


الصفحة التالية
Icon