(الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظّلُمَاتِ وَالنُّورَ) هذا وصف لله سبحانه وتعالى يثبت كمال حق العبودية له وحده، وأنه لَا يستحق الحمد الكامل سواه، ولقد يقول الصوفية: إن العبودية لله تعالى ثلاث مراتب: أولاها - أن يعبدوه لذاته، والثانية - أن يعبدوه لصفة من صفاته كصفة الخلق والتكوين، والثالثة - أن يعبدوه لتكمل نفوسهم، ويحسموا بفضل الطاعة، وهذا النص يفيد أن حمد الله تعالى؛ لأنه خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، والحق أن المراتب الثلاث لَا تباعد بينها، فمن يعبد الله لذاته، فإن ذاته تعرف بصفاته، ومن يرى شرفه في عبادة الله وحده، فهو يتسامي.
والقول الجملي - أن الذكر لخلق السماوات والأرض لبيان سلطان الله تعالى وقدرته واستحقاقه وحده الألوهية؛ بدليل قوله سبحانه بعد ذلك: (ثُمَّ الَّذِين كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).
وهنا بعض المباحث اللفظية التي نتعرض لها؛ لأنه يكون تقريبا لمعاني الإعجاز في النص:
المبحث الأول - التعبير في خلق السماوات والأرض بـ " خَلَق "، وفي الظلمات والنور بـ " جَعَل "، فنقول: الخلق معناه الإنشاء الابتدائي هنا، والجعل يتضمن معنى تكوين شيء من شيء أو شيئين، وقد يتضمن الخلق ذلك المعنى بقرينة؛ وهنا المتبادر من المعنى أن الله تعالى أنشأ السماوات والأرض إنشاء، وجعل منها الظلمات والنور، فمن اختفاء الشمس عن الأرض يكون ظلام الليل، ومن بزوغ الشمس على الأرض يكون النور، وذلك كله بجَعل الله تعالى، وبأصل التكوين والتقدير من العزيز العليم.
المبحث الثاني - لماذا جمع " الظلمات " وأفرد " النور "؟ والجواب عن ذلك: أن النور واحد، من نتائجه الكشف والظهور، وتعدد أسبابه لَا يغير حقيقته، أما الظلمة فإنها متنوعة بتنوع أسبابها.. فهناك ظلمة الليل، وهناك ظلمة المحابس،