وهناك ظلمة القبور، وهناك ظلمة الغمام، وهي تتغير حقائقها بتغير أسبابها، ثم ثمة إشارة إلى أمر معنوي، وهي أن ظلمة الإدراك تتعدد حقائقها، فهناك ظلمة الانحراف، وظلمة الأهواء والشهوات وطمس القلوب، والنور واحد، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ...)، فالنور في هذا واحد.
المبحث الثالث - لماذا أفردت الأرض وجمعت السماوات مع أنه قد وردت نصوص تعتبر الأرض سبعا كالسماوات؟ والجواب عن ذلك: أنه في كثير من المواضع تفرد وتجمع السماء في مثل قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠).
وإنما تعدد السماوات لعظمها، ولإحاطتها بالأرض، ولما فيها من الآيات البارزة، ولتزيينها بالنجوم، ولأنه لم يعلم أن الله تعالى قد عُصي فيها، ولأن طبقاتها متمايزة ينفصل بعضها عن بعض، والأرض طبقاتها متصلة.
المبحث الرابع - ما الذي كان العطف عليه في قوله تعالى: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ولماذا عطف بـ " ثم "؟ أما الجواب عن الجزء الأول فهو أن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، وهو وحده يستحق الحمد، ثم مع ذلك يجعل الذين كفروا بسبب ضلالهم مثلا يعدلونه به، وهو أصنامهم، أو ما يزعمون من آلهة، والتعبير بـ " ثم " للبعد بين الحقيقتين، فالحقيقة الأولى التي توجب توحيد الله تعالى وحده، والثانية - ما يقع من هؤلاء الكافرين على غير بينة ولا إدراك، ولقد قرر الله تعالى الحقيقة الثابتة، فقال عز من قائل:
* * *
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)
* * *
بعد أن ذكر جلت قدرته خلقه لهذا الكون وما فيه، وسلطانه على السماوات والأرض ومن فيهن، بين سبحانه خلق الإنسان الذي يؤمن ويكفر، ويأثم ويفسق، ويهتدي لأمر ربه، ، والذي حارت البرية فيه، كما قال أبو العلاء المعري: