عندما يدعَى إليه، لأنه يدرك ببصيرته، إذ هي مشرقة مخلصة تستجيب للفطرة، لأن الحق في فطرتها، وفي ثناياها. وقسم يقبل الحق، ويستمع إلى آياته ودلائله ويهتدي به. وقسم على قلبه غشاوة يعرض عن الحق، وعن أدلته، وهؤلاء لا علاج لهم إلا بالسيف يقاتلون به، أو بالعذاب الشديد ينزل بهم في الآخرة.
وأنهم لم يكتفوا بتكذيب الحق إذ جاءهم على لسان الرسول - ﷺ -، وبما اشتمل عليه القرآن الكريم من حقائق ثابتة بل تجاوزوا إنكار الحق إلى الاستهزاء بأهله، والسخرية بمعتنقيه؛ ولذلك قال سبحانه: (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) فإن هذا النص الكريم يشير إلى إخبار بالاستهزاء مطوى قد أغنى عن ذكره ما بعده في ثنايا القول الحكيم، وإن هذا تهديد بأنه سينزل بهم عذاب شديد هو نتيجة وثمرة لاستهزائهم، وكأنه لحتميته نبأ عن القرآن الذي كان به هذا الاستهزاء، وفي الكلام إشارات بيانية تؤكد أنهم مخاطبون بالرسالة ومعاقبون على الإعراض.
الأولى - في قوله تعالى: (لَمَّا جَاءَهُمْ) وأنه نزل بساحتهم وصار قريبا منهم ففي هذا تنبيه على أنهم المخاطبون بحجيته، وأنه بينهم مستمر دائم لَا يتوانى عن تذكيرهم مهما فروا، حتى يكون ضلالهم عن بينة، ومن بعد فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها.
الثانية - تأكيد ما ينزل بهم نتيجة لسخريتهم بـ " اللام " وبـ " سوف "، وبأنه يأتيهم فينزل بساحتهم، وذلك تأكيد لوقوعه.
الثالثة - التعبير عن العذاب بأنه أنباء ما كانوا به يستهزئون، والنبأ هو الخبر العظيم، وقد وضح ذلك الزمخشري في الكشاف فقال: فسوف تأتيهم أنباء الشيء الذي كانوا به يستهزئون، وهو القرآن، أي أخباره وأحواله، بمعنى سيعلمون بأي شيء استهزءوا، وسيظهر لهم أنه لم يكن بموضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته.


الصفحة التالية
Icon