الماطرة فإنها سماء باعتبارها في وجهة العلو، وفي التعبير بـ " أرسل " بدل " أنزل " إشارة إلى معنى الغوث والإمداد المستمر الدائم، والعرب لم يكن مطرهم كثيرا، بل كان غيثا، يجيء الفينة بعد الفينة.
وثالثها - بالأنهار تجري من تحتهم؛ ولذلك قال تعالى: (وَجَعَبا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ) في التعبير بـ (جعل) معنى التحويل، أي حولنا أمطار السماء إلى أنهار تجري من تحتهم أي تحت سلطانهم يسيرون مجاريها كما يريدون، فكان الماء عندهم غدقا ولم يكن ذلك عند العرب، فبأي شيء يفترون ويستعلون، وماذا صنع سبحانه بهؤلاء؛ قال: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ).
الفاء هنا للتفصيل، والبيان بعد الإجمال، لقد أشار سبحانه إلى ما نزل بهم، وهنا يبين سبحانه أنه أهلكهم بسبب ذنوبهم، والإهلاك بسبب الذنوب له مظهران:
أحدهما - أن الذنوب ذاتها تهلك أمما، إذ تشيع فيهم الترف والغرور والفساد في الأرض، وبذلك تنحل وتضمحل، وتذهب قوتها.
المظهر الثاني - إهلاك الله تعالى الأمم عقابا على أوزارها، وإن الأمم إذا هلكت بسبب فسادها، جاء جيل يصلح أمرها، ويزيل أسباب الفساد، ويجدد المتخرب، وهو الجيل الذي ينشئه الله على آثار المفسدين، وهو غير الجيل السابق؛ ولذلك كان التنكير وكان الوصف بـ (آخرين).
* * *
(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨)


الصفحة التالية
Icon