الثالث - أن الله تعالى حكم سبحانه بعدله وإنصافه بأن ذلك قول الذين كفروا منهم، ففي ذلك إشارة إلى أمرين:
الأول - الإشارة إلى أن الذين يقولون هم الذين كفروا، وأن هناك في مقابلهم مؤمنين يذعنون للحق، ويصدقون الآيات.
الثاني - أن السبب هو الكفر والجحود والإعراض، فلا يؤمنون بآية مهما تكن قوتها في الدلالة، لإعراض القلوب وعدم اتجاهها إلى الحق، بل إنها مظلمة معتمة لَا يدخل إليها النور مهما يكن وضاء.
الرابع - أنهم لفرط جحودهم وإغلاق قلوبهم يؤكدون أنه سحر مع اللمس بالأيدي، وقد أكدوا حكمهم الباطل أولا - بالنفي والإثبات، أي أنه مقصور على أنه سحر، ثانيا - بالإشارة إليه، وذكروا أنه بين واضح.
ثالثا - والمعنى الجملي أنه لَا تجدي فيهم معجزة ولا دليل، ويؤكد هذا قوِله تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١).
* * *
(وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨)
* * *
(لَوْلَا) هنا للتخصيص، أي أنها في ظاهرها لحضهم النبي - ﷺ - على طلب الملَك، وجاء بالبناء للمجهول؛ ليكون الطلب لمن أرسل الرسول، وأنهم يعلقون الإجابة على إنزال الملك، والحقيقة أنهم يتعنتون، والنص القرآني يفيد أنه وجد منهم من طلب ذلك فعلا، وأسند القول إلى المشركين؛ لأن التعنت في الصورة الشاملة لهم فما يصدر عن بعضهم تعنتا، إنما يصدر في المعنى عن جمعهم؛ لأن الباعث واحد.
ويروى محمد بن إسحاق فيقول: (دعا رسول الله - ﷺ - قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فقال زمعة بن الأسود بن المطلب، والنضر بن الحارث بن كلدة، وعبد بن عبد يغوث، وأُبي بن خلف بن وهب، والعاص بن وائل بن هشام: لو جعل معك يا محمد مَلَك يحدث عنك الناس؛ ويُرى معك).