لا يعملون، وهل تستوي الظلمات والنور، وهل يستوي الأخيار والأشرار. إن عقاب العاصي رحمة بالعموم، وإن لم يكن رحمة بذات العاصي فهو لَا يستحق الرحمة؛ ولذا قال النبي - ﷺ -: " من لَا يَرحَمْ لَا يُرْحَم " (١) ولقد ذكر سبحانه أن من مقتضى رحمته أن يجمع الناس يوم القيامة ليوم لَا ريب فيه، يجازى فيه المحسن بإحسان، ويعاقب فيه السيئ؛ فقال تعالت كلماته: (لَيَجْمَعَنَّكمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ) فهذه الجملة استئنافية لبيان نوع من العدل، وهو أن يثاب المحسن، ويعاقب السيئ، ويحاسب كل على ما قدم من عمل في هذه الدنيا، إذ هو رحمة بالخلق، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن القصاص فيه رحمة كبيرة، فقال تعالت كلماته: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ...)، والقصاص بكل ضروبه فيه حياة ورحمة.
وهنا بعض إشارات بيانية:
الأولى - أن الله أكد جمع الناس يوم القيامة، وذلك بـ " اللام " الدالة على قسم مطوي في القول، وبنون التوكيد الثقيلة.
والثانية - تعدية الجمع بـ " إلى " دون " في "؛ للإشارة إلى أن الجمع نهايته تكون يوم القيامة، فهم يحشرون في القبور، والجمع مستمر في ذلك.
الثالثة - إثبات أن ذلك اليوم لَا شك فيه عند أهل الدراية والمعرفة ومن يشك فيه فهو ليس ذا إدراك سليم، وإذا كان بعض الناس يشك فيه، فليس ذلك إلا من سقم الإدراك، وفساد الفطرة، وينبغي ألا يشك فيه مدرك، فالبديهة تقول إن الله تعالى لم يخلق الكون عبثا، ولم يخلق الإنسان عبثا، بل خلقه ليفنى ثم ليبقى من بعد ذلك، ومن خلق في الابتداء قادر على الإعادة في الانتهاء، وبين سبحانه بعد ذلك الحال الواقعة للذين يكفرون بالله وبالرسالة وباليوم الآخر، وأن شرهم متكاثف يردف بعضه بعضا.
________
(١) متفق عليه رواه البخاري في كتاب: " الأدب ": رحمة الولد وتقبيله (٥٥٣٨)، ومسلم في كتاب " الفضائل " رحمته - ﷺ - بالصبيان والعيال (٤٢٨٢).