الآلهة التي زعموها آلهة مع الله تعالى، فإضافة الشركاء إليهم لأدنى ملابسة، أي لمجرد العلاقة النفسية والفكرية التي نحلتها عقولهم السقيمة في إدراكها لهم، وهل كانوا غائبين عنهم، حتى يبحث عن مكانهم، لعل ذلك يكون، ولعل حالهم من أنهم لَا قوة لهم، وليس لهم الشفاعة القربة، ولا النصرة القادرة، يعتبرون كأنهم شيء معدوم يسألون عنه، وما كان سلطانهم إلا بزعمهم الفاسد في الدنيا، وقد رأوا الحقائق عيانا، وكشفت الأمور لهم، فغاب عنهم سلطان تلك الالهة المزعومة.
* * *
(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)
* * *
أصل معنى الفتنة، إدخال المعدن النار ليزول عنه الخبث الذي يعلق به، وأخص المعادن الذهب، ففتنته إدخاله في النار لتعلم جودته، ثم أطلقت على الاختبار والعذاب والبلاء، والمصيبة والكفر والإثم والألم والضلال.
وفى النص الكريم قراءتان: إحداهما - ضم تاء (فتنتُهم) (١)، والمراد من الفتنة الاختبار الشديد بهول ما رأوا، والمعنى على هذه القراءة وهي قراءة حفص: وكان من أثر الاختبار والهول الشديد الذي رأوه يوم الحشر والحساب، أن نسوا ما كانوا عليه من شرك، وقالوا مقسمين: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشرِكِينَ) أي أنهم أقسموا بالله غير صادقين في الحقيقة، ونادوا الله بـ (ربنا) معترفين بربوبيته وحده، ويكون ذلك من فرط الهول والشدة وعظمة ما رأوا من صدق الحقائق، حتى كذبوا أنفسهم.
والقراءة الثانية بفتح التاء وبالياء في يَكُنْ (٢). ويعتبر اسم (يكن) هو (أن قالوا)، وقد رجح هذه القراءة ابن جرير الطبري، وقال في معناها: (ثم لم يكن
________
(١) قرأ (فِتْنَتُهُمْ) بالرفع - ابن كثير وابن عامر، وحفص والمفضل كلاهما عن عاصم، وقرأ الباقون بنصب التاء.
(٢) (ثم لم يكن) بالياء - قراءة حمزة والكسائي، ويعقوب، وخلف، والمفضل عن عاصم، وقرأ الباقون بالتاء.