إن سنة الله تعالى أن يأتي بعذابه الدنيوي، وهم لاهون غافلون؛ وذلك لأن كفرهم يجعلهم في غفلة، وينسون معه بأس الله تعالى، لأنهم يكفرون به ولا يؤمنون، فيأتيهم من حيث لَا يحتسبون ولا يتوقعون، وإن ذلك كان شأن كل الذين عتوا عن أمر ربهم، ولذلك قال مذكرا من لم يتذكر إلا بقارعات العذاب الذي ينزل بهم: (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا) و " كم " هنا دالة على الكثرة من غير عدد. و " مِن " لعموم الاستغراق، ولتأكيد معنى الكثرة، والقرية المدينة الكبيرة؛ لأنها تقري الناس وتجمعهم فيها، البأس هنا العذاب الشديد أو الهلاك، كما جاء لقوم لوط، ولقوم هود، ولقوم شعيب، والبيات الليل، ومعنى (بَيَاتًا) وهم بائتون، والمعنى: وكثير من القرى أهلكناها، فجاءها عذابهنا بياتا (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)، أي نائمون في القيلولة من شدة الحر، أو مستريحون.
وإن المراد أنهم يحسبون أنهم في أمن واطمئنان، فيأتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون.
وإن هذه سنة الله تعالى في الكافرين يمهلهم ويجيئهم العذاب في مأمنهم، ولقد قال تعالى في ذلك: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧).
وهكذا تكاثرت آيات الله تعالى في كتابه العزيز تنبئ بأن الله تعالى يقصم الظالمين، وهم في غفلة ساهون، حتى إذا أخذهم رأوا الويل.
وإن ذلك فيه إنذار للعرب بأنهم لَا يصحح لهم أن يأمنوا مكر الله، وإنه نازل بهم لَا محالة، وإذا كان أمهلهم فلم ينزل بهم مثل ما نزل بغيرهم، فلأن الرسالة إليهم خالدة وأنها ليست لهم وحدهم، وإنما هي للأجيال كلها، وإن ما ينزل بهم


الصفحة التالية
Icon