يكون بتوفيق الله لنبيه بعمل بشري ينتصر به عليهم، أو بريح صرصر عاتية تهزمهم ولا تمحوهم.
وماذا كانت حال الذين أنزل الله تعالى عليهم بأسه في قراهم وقد طغوا وبغوا وأثاروا الفساد، إنهم يحسون بظلمهم بعد أن فات وقت الإيمان، وقد قال، الله تعالى فيهم: (فَمَا كَان دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهم بَأسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ).
لقد قرعتهم هذه القارعة، وذهب غرورهم الذي دلاهم الشيطان به، وصغوا بعد أن استكبروا فنطقوا بالحق الذي أنكروه، وضرعوا إلى الله أن ينجيهم من العذاب الذي نزل بهم، ولات حين منجاة، بل إنهم يذوقونه وبال ما كسبوا، فهو جزاء لَا فرصة معه لتوبة.
الدعوى هنا: الدعاء، كقوله تعالى: (... وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
ويصح أن تكون الدعوى هنا بمعنى الإقرار، وفي التعبير عن الإقرار بالدعوى مجاز؛ لأن كليهما في مقام الخصومة، وإذ كانوا قد وضعوا أنفسهم في مقام الخصومة مع الله تعالى بما افتروا من عبادة الأوثان وكذبوا عليه كان التعبير عن الإقرار بالدعوى للإشارة إلى أنهم قد خفضوا من دعاويهم وغطرستهم ولم يبق إلا أن يقروا خانعين، أغراهم الكفر ابتداء، وأذلتهم القارعة انتهاء.
" الفاء " هنا للإفصاح عن شرط مقدر، أي إذا كانت القوية قد نزل بها هذا العذاب الحاسم، ماذا كان جواب أهلها؟ فكان الجواب:
* * *
(فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ... (٥)
* * *
ولتضمن الدعوى معنى الإقرار لم تلحق تاء التأثيث بالفعل " كان " وهنا نفي وإثبات، وذلك يتضمن معنى الاختصاص والقصر، أي أنه لَا جواب لهم إلا الإقرار بالظلم، وإنه كان وصفا اتصفوا به في كل ما قالوا من كذب على الله تعالى. فما كان قولهم: (ظلمنا)، بل كان قولهم: (إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، وذلك تأكيد لظلمهم، فقد كان بالجملة الاسمية وبتصدرها بـ " إنا "، و " إنَّ " دالة على التوكيد، وتأكيد القول بـ " كنا " الدالة على الالمعتموار، وبالوصف بالظلم الدائم، اللهم وفقنا للعدل، وجنبنا الظلم.
* * *