يعذروا من أنفسهم " (١) ولقد أكد - سبحانه وتعالى - أنه لَا سبيل لإنكارهم لأن الله تعالى يعلم غيب أمرهم إن أخفوه، فقال:
________
(١) رواه أحمد: باقي مسند الأنصار (٢٢٠٠٠)، وأبو داود: الملاحم - الأمر والنهي (٤٣٤٧).
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ).
الفاء عاطفة ما قبلها على ما بعدها، واللام لام القسم دالة هي والنون والقاف على التوكيد. و " نقص ": معناها نخبر خبر من يتقصى ويتتبع لَا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والضمير في " عليهم " يعود على من أرسل إليهم، ويحتمل أن يعود إليهم وإلى المرسلين معا، فيعلم المرسلون من الله ما كان يقع عليهم ويدركون أن الله كان عليما بالعنت الذي أعنتوه، يعلمون ذلك عند الحساب، كما علموه في الدنيا بإطلاع الله تعالى عليه، فعلمهم في الدنيا بالحساب والعقاب، كان علم إيمان بالغيب، ويقين من خبر الله، وعلمهم الآن بالحساب والعقاب والثواب علم معاينة. أما الكفار الذين أرسل إليهم فعلمهم يقيني بما أنكروا من قبل وهو علم بما جهلوا علم معاينة أو علم عقاب أنكروه، وبعث ونشر، وقد كابروا فيه.
وأكد الله تعالى قصصه الحق المتتبع بأمرين:
أولهما: قوله تعالى: (بِعِلْمٍ)، أي أنه قصص لأعمالهم وأعمال رسلهم بعلم صادق ليس فيه حدس وتخمين. كما كانوا يدعون من علم من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو يعلم الظاهر والباطن والأول والآخر.
ثانيهما: أنه علم من عاين وشاهد، وإذا قال تعالى: (وَمَا كنَّا غَائِبِينَ) أي كنا حاضرين حضورا مستمرا ما كنا غائبين فأخبرنا، ولكن كنا شاهدين، فعاينا، وليس علم الخبر، كعلم المعاينة والمشاهدة في الصدق واليقين.