أَمَرْتُكَ) وسياق النص أن يكون: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك، قال بعض المفسرين أن " لا " زائدة ونحن لَا نرى أن في القرآن حرفا زائدًا، ومن يقول ذلك يسرف في قوله، ونقول في ذلك أن: " منع فلانا من أن يؤذى " أي حماه، ويقال: " فلان في منَعَة "، أي في قوة حامية، سواء أكانت نفسية أم من جماعة، والمعنى على ذلك، ما منعك حاميا لك ألا تسجد إذ أمرتك، أي أنه وجد المقتضي للسجود، وهو أمر الله تعالى، وأمر الله واجب النفاذ للملائكة، ومن يكون معهم.
فكان جوابه: (أَنَا خَيْرٌ منْهُ) وذكر سبب الخيرية التي ادعاها، فقال: (خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وهو في هذا غافل، ومدع ما لَا دليل فيه على دعواه، أما غفلته، فهو أن الله تعالى خالق النار وخالق الطين وما في خلقه تفاوت، فهما خلق الله تعالى، وهو الذي اختار النار له، واختار الطين لآدم، واختار أن يسجد إبليس الناري لآدم الذي هو من طين، فكيف يعترض عليه بخلقه، وإن هذا ضلال في الفهم، وغفلة في الإدراك، ولذا قال بعض العلماء: أشد العالمين غفلة إبليس. ودعواه أن الطين خير من النار، وأنه بذلك خير من آدم هذه دعوى لَا دليل عليها، بل الدليل يناقضها، لأن الطين خلق الله منه الخصب، وكان من الخصب الزروع والثمار والأشجار والنخيل، وكل طعام أهل الأرض، والماء ينزل عليه غيثا فيكون منه ثمر كل شيء، وطعام الإنسان، والحيوان، والنار تدمر وتحرق، فإذا كان من الطين العمران، فمن النار الدمار، وكل خلق الله تعالى.
ولأن الباعث على قوله هذا التكبر، وليس الدليل؛ لذلك قال الله تعالى له:
* * *
(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا... (١٣)
* * *
والهبوط هنا هبوط معنوي، إذ يخرج من الجنة إلى الابتلاء والاختبار، يمد الله تعالى له، ويختبر به الناس، فتكون العداوة، كما قال تعالى في قصة سورة البقرة: (... وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ...) وقد ذكر - سبحانه - أنه


الصفحة التالية
Icon