به يهتدون، ويتركهم إن ساروا في طريق الغواية فيضلون، وبين أن الفتن إن جاءت تعمّ ولا تخصّ، وأن أشد الفتن أن يخونوا الله ورسوله ويخونوا أماناتهم، وأن التقوى حصن القلوب، وهي فرقان ما بين الحق والباطل، وبها يفرق بينهما.
ويذكر الله تعالى بعد ذلك ما كان في آخر إقامتهم بمكة إذ يدبرون لمحمد حبسه أو قتله، أو يخرجوه، ويمكرون، والله سبحانه يدبر له أمر هجرته، (وَيَمْكُرونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّه خَيْر الْمَاكِرِينَ).
ويذكر بعض ما كان المشركون ينالون بالباطل من القرآن، وما تلبى به عداوتهم فيقولون مستهينين بالحق الذي يدعوهم الله تعالى إليه: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)، وذلك أبلغ التحدي والاستهانة بالحق فبدل أن يقولوا اللهم إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه، يقولون متحدين (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ)، ولكن الله تعالى ما كان ليعذبهم والنبي - ﷺ - فيهم قائم بدعوته.
ثم يفرق الله تعالى بين المؤمنين الذين ينفقون في سبيل الله والكافرين الذين ينفقون ليصدوا عن سبيله، وأن مآلهم جهنم، ويفتح الله تعالى لهم باب الرجاء وأَلمغفرة إن ينتهوا، وإن نهاية القتال هو انتهاء الفتنة في الدين (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠).
في هذه السورة من أولها إلى هذه الآية، بيان القتال، وأن النصرة فيه بالتأييد من الله العزيز الحكيم والإيمان الصادق المستجلب لهذا التأييد، فهو قوة المسلمين، وضعف المشركين من كفرهم، وأنهم ينفقون ليصدوا عن سبيل الله تعالى.
بعد ذلك يتكلم الله تعالى في توزيع الغنائم، فيقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١).


الصفحة التالية
Icon