ثم بين الله سبحانه أنه راجع إليه سبحانه، فقال منذرا، مبشرا: (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرون).
الضمير ضمير الشأن، والمعنى، وأنه الحال والشأن تُحشرون، أي تجمعون مهما يكن جمعكم، ومهما تداخلت أجزاؤكم في الأجسام، ولو كنتم في حجارة أو حديد، أو خلق مما يكبر في صدوركم، فأنتم مجتمعون، والتعبير بـ (تحشرون) يفيد الجمع مهما يكن العدد، ومهما تتناثر الأجزاء أو يتباين كونها.
وقدم الجار والمجرور للدلالة على أن الناس جميعا يحشرون إليه وحده، وهو الذي أنذر وبشر، وأنه منفذ ما وعد، وما أوعد.
فهذه الجملة السامية تربي مهابة اللقاء، وتؤكده، وإنه لقاء بالغفور الرحيم العزيز الحكيم المنعم الجبار.
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥)
إن ظلم الجماعات لَا تقف مغباته عند من يرتكبون الظلم، بل يتجاوز إلى الإفساد في الجماعة نفسها، فمن أشاع الفاحشة في الذين آمنوا بأن جاهر بها مرتكبا لها، أو أشاع قول السوء في الجماعة - إنما يدعو إليها، محرضا عليها ولو كان ما يرتكبه ليس كثيرًا، ولكن المجاهرة بها دعوة إليها، وتحريض عليها، ولذلك كان النبي - ﷺ - يدعو إلى الاستتار، فيقول فيما روى الشافعي: " يا معشر الناس من ارتكب شيئا من هذه القاذورات، فليستتر، فهو في ستر الله، ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد " (١).
ومن أجل هذا حث الله تعالى على اتقاء الفتن، وهي الذنوب، أو الذنوب التي تختبر بها الجماعات ومن شأنها أن تشيع أو تفسد رأيها العام، كما نرى في عصور الانحلال وشيوع الفساد، وشيوع الدعوات المنحرفة، ويكون فيها الهوى
________
(١) سبق تخريجه.