متبعا، والرأي منحرفا، أو الفتن تموج كموج البحر، كما رأينا في بغي معاوية ومن معه على إمام الهدى عالم المسلمين، وحامل سيف الحق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
يقول تعالى: (وَاتَّقوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً) ومعنى اتقوا: اجعلوا بينكم وبين الفتن التي تعم آثارها وقاية، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنوير العقول وتثقيف القلوب. وتطهير الرأي العام من شيوع الأقوال الباطلة، فإنها تفسد الأفكار ولا تجعلها متجهة صوب الحق، بل تتميع العقول، ويكون شح مطاع وهوى متبع، ولا يكون التفكير الدقيق لما يقال، بل يتبع كل فاسق.
وإن الوقاية تكون بأمرين: أولهما - العدل، وثانيهما - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولذا قال النبي - ﷺ -: " لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطُرنه على الحق أطرا، أو ليضرِبَنَّ الله بقلوب بعْضكم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم " (١).
وقوله تعالى: (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمًوا منكُمْ خَاصَّةً) هي جواب لشرط محذوف أو في معنى جواب الأمر، وهو (اتَّقُوا)، والمعنى: إن تتقوها، لَا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. ودخلت نون التوكيد الثقيلة؛ لأن جواب الأمر في معنى الأمر، ونون التوكيد تدخل الأمر فتؤكد جوابه، وذكرت الصلة في الموصول للإشارة إلى السبب وهو الظلم الذي يعم، ولا يخص، وأظهر الظلم ليتبين أنه السبب، وأن السبب في عموم الفتن أو الذنوب، أو الفساد في الأمة بعمل الطاغين، وعدم الخصوصية أن ظلم الخاصة تكون نتيجته على الجميع؛ لأنه لا يوجد من ينهاهم، وقد أمروا بأن ينهوهم بل أن يحاجزوا بينهم وبين الظلم كما أشرنا، وكما روينا عن النبي - ﷺ -، وقد قال - ﷺ -: " لا تؤخذ العامة بظلم الخاصة
________
(١) سبق تخريجه.


الصفحة التالية
Icon