وهنا إشارات بيانية يجب التنبيه إليها.
الأولى - التعبير بـ (ذوقوا العذاب) فإنه مجاز عن نزوله بهم بحيث يمس إحساسهم، وكأنه يذاق مذاقا مؤلما ولا يخلو ذلك من تهكم بهم، كما يقول الله تعالى: (فَبَشِّرْهم بِعَذَاب أَلِيم).
الثانية - قوله تعالى: (بِمَا كنتمْ تَكْفرُونَ)، فإنها تدل على استمرار الكفر، وأن هذا الاستمرار هو السبب في ضلالهم، فإن كنتم وكان فيها دالة على الاستمرار.
الثالثة - أن التعبير بالمضارع يفيد تصوير حال كفرهم المتجدد المستمر، فكل ساعة تمر وهم كافرون تجديد للكفر، وحيث يتجدد الكفر يتجدد سبب العذاب، وقانا الله تعالى منه.
وإن المشركين بذلوا، وسيبذلون كل مال للصد عن سبيل الله؛ ولذا قال سبحانه:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)
هذه الآية أقرب إلى الظن أنها مدنية، ولكن نقبل ما يقرره القراء، وهي أنها مكية عند بعضهم، وهي لَا تتغير بوصف المكية أو المدنية، فكله كلام الله تعالى لا يتغير بميقات نزوله، ونحسب أن ما في سورة الأنفال مما نزل بمكة، قد انتهى إلى ما قبل هذه الآية.
كتب الصحاح التي تكلمت في أسباب النزول تجمع على أن سبب نزول هذه الآية أن قريشا بعد أن عضتهم الحرب في بدر، وأرادوا أن يثأروا لأنفسهم جمعوا مالا لينفقوه في حرب أخرى يعدون لها، ولكن قال الضحاك: إنه عنى بالآية المطعمون الذين كانوا يطعمون يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلا.