والمذكور في سيرة محمد بن إسحاق أنه لما أصيبت قريش يوم بدر، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان لعيره، مشى رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان، ومن كانت له في تلك العيرة تجارة فقالوا: " يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا " ففعلوا، وقد ذكر ذلك عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما.
وأيا كانت الأخبار في ذلك وإنها لصادقة، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن الله تعالى الرحيم الرءوف بعباده، لَا يجعل المؤمنين فريسة لأموال المنافقين ينفقونها للصد عن سبيله، فينصروا بأموالهم وينخذل أهل الحق، فصد هؤلاء عن سبيل الله.
إن الله تعالى يؤكد أن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فلا يتحقق لهم قصدهم فيقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً).
أكد الله سبحانه الإنفاق لهذه الغاية وهي الصد عن سبيل الله، وذلك يجعل كلمة الشرك عالية، ويخضد شوكة المسلمين دعاة الحق، ويمنع الرسول ومن اتبعه من الدعوة، وفي سبيل حرب أهل الإيمان، وقد أكد الله تعالى أنهم سينفقونها بهذه النية الفاسدة، فالسين هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل، وقد كرر النص الكريم الإخبار بالإنفاق، والأول للغرض من الإنفاق، وهو أنه للصد عن سبيل الله فهو بيان للنية الخبيثة، والقصد الفاسد.
والثاني لبيان أنه لَا نتيجة لهذا الإنفاق، بل يكون عليهم حسرة، وسيغلبون.
والفاء في قوله تعالى: (فَسَيُنفِقُونَهَا) لبيان وقوع ما يريدون من غير أن يترتب عليه ما يحبون.