عن أن ينالكم عذابه في الدنيا والآخرة، فاطمئنوا فقط في أربعة الأشهر الحرم، وقد بينها النبي - ﷺ - فذكر أنها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، وتلك الثلاثة الأولى أشهر الحج والذهاب إليه والأوبة منه ورجب الذي بين جمادى الآخر وشعبان (١) شهر عمرة فإذا كان الله ترككم تسيحون في الأرض فلستم بمعجزى الله و (... وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ) أي منزل بهم الخزي بإنزال الهزيمة بهم، وإضعاف شوكتهم، وذهاب تطاولهم، وسيطرتهم على البلاد العربية.
وإنه لكي تتجلى هذه الآيات نقتبس كلمة من الصحاح، والسورة تبين نزول هذه الآيات ومواقيت نزولها - فتح النبي - ﷺ - مكة سنة ثمان، وأناب عنه في الحج هذا العام عتاب بن أسيد، وفي سنة تسع امتنع عن أن يحج بنفسه، لأن المشركين كانوا يحجون، وكانت قريش يحجون عرايا، فلم يرد أن يراهم كذلك في الحج، وأناب أبا بكر عنه في الحج هذا العام، وقد نزلت سورة براءة في شهر شوال من هذه السنة، فأمر النبي - ﷺ - عليا أن يبلغهم أربعين آية من أولها، وقيل أقل من ذلك، فأتبع أبا بكر عليا بها، فلما دنا عليّ من أبي بكر وهو راكب العضباء ناقة رسول الله - ﷺ - سمع رغاءها فوقف وقال: هذه ناقة رسول الله - ﷺ - فلما لحق به عليّ قال أبو بكر: أمير أم مأمور، قال عليّ: بل مأمور، فلما كان يوم التروية اليوم الثامن من ذي الحجة خطب أبو بكر، وحدثهم عن مناسكهم، وقام علي رضي الله عنه وقال: إني رسول رسول الله إليكم، فقالوا: بماذا، فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية. وعن مجاهد ثلاث عشرة آية، ثم قال أمرت بأربع: ألا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتمم إلى كل ذي عهد عهده.
________
(١) عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ".