وبراءة الله ورسوله من المشركين تتناول عهودهم التي نكثوا فيها، وتتناول شركهم، وتتناول طريقة حجهم وفيها إيماء بمنعهِم، ولقد صرحت به - الآية الكريمة من بعد، إذ قال تعالى: (... إِنَّمَا الْمُشْرِكونَ نجسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا...) وقد فتح الله تعالى باب التوبة والرجوع إلى الله تعالى.
ولذا قال تعالى: (فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْر لكُمْ) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، وكان الالتفات لأنه فيه انتقل من البراءة منهم إلى تقربهم إليه بفتح باب التوبة لهم بخطاب الله تعالى لهم مبشرا إن تابوا منذرا إن استمروا في غيهم، فإن تبتم عن الشرك وعن الطواف عرايا وعن عداوة الرسول فهو خير لكم، أي فالرجوع إلى الله تعالى هو خير لكم إذ تطهرون عقولكم ونفوسكم، ومجتمعكم، وما ورثتم عن جدكم إبراهيم.
(وِإن تَوَليْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) أي إن أعرضتم عن سماع الحق والاستجابة له، والإذعان، وإسلام الوجه فيجب أن تضعوا في علمكم أنكم تحادون الله تعالى، وأن الله تعالى غالب ولا يمكن أن تعجزوه فهو مالك السماوات والأرض، وهو القاهر فوق عباده، فلن تعجزوه في الدنيا والآخرة، وقد كان الالتفات بالخطاب فيه تربية المهابة، وهي تزيد الإنذار قوة.
ثم قال في بيان عذابهم في الدنيا والآخرة: (... وَبَشرِ الَّذِينَ كفَرُوا بِعَذَاب أَلِيم) أي مؤلم في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا بالهزائم المتوالية وفي الآخرة بالجحيم.
وفى الكلام إشارتان بيانيتان:
أولاهما: أن التبشير يكون بالخبر السار، فإذا ذكرت في الأخبار المفزعة المؤسفة، فذلك لَا يخلو من تهكم واستهزاء، ومن هذا قوله تعالى:
(وَبَشِرِ... بِعَذَابٍ أَلِيم).


الصفحة التالية
Icon