(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)
لقد أرسل محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - داعيا إلى الحق وصراط مستقيم، ولم يرسل للقتال والغلب، وما كان القتال إلا لمنع الفتنة في الدين، وتأمين الدعوة، ولذلك فتح الباب للدعوة في كل الميادين، في الحرب وفي السلم، في العهد وفي نكث العهد على سواء، فأولئك الذين نكثوا عهودهم وأبيحت دماؤهم - يقتلون حيثما كانوا، وإذا جاء أحدهم يطلب جوار التجارة أو رسالة، أو لمجرد الأمان فإنه يجاب، ويكون في أمن المؤمنين، حتى يسمع كلام الله ويفهمه ويتدبره، ثم يبلغ مأمنه، ولذا قال سبحانه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) ولقد قال النحويون إن كلمة (أحد) فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعد (أحد)، ولأن (إنْ) لَا تدخل على الاسم، فيقدر لها فعل، ويكون نسق القول، وإن استجارك أحد من المشركين، وهنا يسأل السائل لِمَ قُدِم أحد، واحتجنا لسياق النحو إلى هذا التأويل؟ والجواب عن ذلك، أن الاهتمام لهذا الترك أولا لا للاستجارة في ذاتها؛ لأنه المقصود إذ هدايته مطلوبة أولا وبالذات، وليست الاستجارة هي المطلوبة، والاستجارة طلب الجوار بأن يعيش في أمن دولة، والجوار هذا أمان مؤقت حتى يسمع كلام الله ويتفهمه ويتعرف معنى الوحدانية، وبطلان الشرك، ويسمعه النبي - ﷺ - تعاليم الإسلام من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأعمال الخير والوفاء بالعهد والتراحم وغير ذلك من مبادئ الإسلام، وكلام الله تعالى إما أن نفسره بالمعنى الخاص، وهو القرآن الكريم، وسماع تلاوته وتفهم معانيه ومراميه، وذلك خير في ذاته، وهو سجل الإسلام في كلياته، وإما أن نفسره بمعناه العام وهو الإسلام؛ لأن أوامر الإسلام ونواهيه كلها ترجع إلى كلام الله تعالى لأنها منه، وما كان محمد ينطق عن الهوى.. (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥).