(وَيَنصُرْكمْ عَلَيْهِمْ)، فإن النصر بيد الله، (... وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)، ونصرة العبد لله بإطاعة أوامره، ومنها الأمر بالقتال، وجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفر هي السفلى، ولا يكون النصر من الله إلا إذا اتخذت أسبابه من العبد واحتسب النية.
(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ). ذلك أن قلوب المؤمنين إذا رأت الكفر ناتئ الرأس، ولم يكن من يقمعه، ويرد كيده في نحره عراها الشك أو التردد، أو محاولة تَعَرُّف الحكمة في إهمال الكفر، وتركه في عنفوانه وإيذائه، فإذا نصر الله المؤمنين شفيت صدور قوم مؤمنين، وخرج ذلك التردد، وذهبت عنها تلك الحيرة، فالله - بقتال المؤمنين لأهل الكفر - يشف تلك الصدور المؤمنة من تلك الحيرة الممضة التي قد تثير الريب، ومن ذلك الحزن والموجدة، وفيه إشارة إلى الوعد بالفتح.
(وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ... (١٥)
الضمير في قوله غيظ قلوبهم يعود إلى الذين تحتاج صدورهم إلى شفاء بنصر مؤزر يدفع الباطل ويزهقه، ويرفع الحق ويعليه، والغيظ انفعال النفس بالألم من رؤية الباطل عاليا والحق مستكينا أو مستخذيا، فماذا انتصر الحق وعلا، ذهب ذلك الغيظ، واستقامت النفس على سواء الصراط، وارتاحت الضمائر المؤمنة.
وعبر الله في الغيظ بقوله تعالى: (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) لأن الغيظ ليس داءً، ولكنه حال عارضة - من أمر قابل للزوال، والنصر يزيله وفيه إشارة إلى حصول الوعد.
أما التردد والحيرة، وبوادر الشك، فأمراض تلازم النفوس المريضة فعبر عن زوالها بالشفاء؛ لأنها أمراض الإيمان، والله هو الذي يشفيها، ويودعها الاطمئنان.
وإن الحرب التي تختبر فيها النفوس، ويذهب فيها غرور الذين يغترون بأصنامهم، ويحسبون أنها تنصرهم في الشديدة وتغيثهم في الكريهة من شأنها أن تجعل النفوس تفكر فيما هي عليه، وفيما عليه الذين يحاربونها، فيعرفون الغث