بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ...).
وقد ضعف شأن المسلمين من وقت أن اتخذ ملوك بني أمية ومن جاء بعدهم من اليهود والنصارى بطانة كانت تدس بين المؤمنين، وتثير الفتن، بينهم حتى أدخلوا في الدين ما ليس منه.
ولقد ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ) أي إن الله عليم علما دقيقا بما تعملون من ظواهر أيمانكم وبواطنها.
ولقد حرم الله تعالى على المشركين أن يدخلوا المسجد الحرام من بعد العام التاسع، وربما كان منهم من يدعي أنه يعمر المسجد الحرام فنهى عن ذلك أيضا، وقال تعالى:
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧)
(مَا كَانً لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ) أي ما ساغ وما استقام للمشركين أن يعمروا مساجد الله، وعمارة المساجد بإقامة الشعائر فيها، وتشييد بنيانها، وهنا قراءتان قراءة " مسجد " الله تعالى وهو البيت الحرام؛ لأنه أول بيت بني للعبادة وهو أعظم المساجد، وإذا ذكر المطلق انصرف إلى الفرد الأعظم، وبيت الله الحرام هو الفرد الأعظم في المساجد، وهناك قراءة أخرى بالجمع " مساجد الله " وهي قراءة حفص، وبها قرئت (مساجد)، وتخرج على أن المراد المسجد الحرام، والجمع؛ لأن كل بقعة منه مسجد ولأنه إمام المساجد، فهو قبلة المسلمين، وكل مسجد له تابع. أو يراد جنس المساجد كما تقول: فلان لَا يقرأ الكتب تريد جنس الكتب لَا تريد واحدا بعينه، وإنه ليس للمشركين عمارة المساجد؛ لأن عمارة المساجد إقامة الشعائر فيها كما ذكرنا وعمارتها بعبادة الله وحده، وليس من عبادتها إحاطتها بالأصنام، والطواف عراة، وغير ذلك من المحدثات التي ليست من العبادة في شيء.