كان المؤمنون في أول الإسلام قلة، ولا يكون للقلة قوة إلا إذا تضامت وتوالت، وجعلت الولاية لأنفسهم دون غيرهم، ولذلك كانت الهجرة واجبة حتى تتجمع قوة الحق وتتآزر وتكون لها ولاية مستقلة عن ولاية أهل الشرك ومناصرتهم، والولاية هي النصرة والسلطان وأن تكون الموالاة لدولة مسلمة.
روى الزمخشري، عن ابن عباس أنه كان قبل فتح مكة من آمن لم يتم إيمانه إلا بأن يهاجر، ويصارم أقاربه الكفرة، ويقطع موالاتهم، فقالوا: يا رسول الله، إن نحن اعتزلنا من خالفنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا، وذهبت تجارتنا، وهلكت أموالنا، وخربت ديارنا، ولقينا ضائقة. فنزلت الآية. وإن صحت هذه الرواية فإن الآية يكون المخاطب بها الذين آمنوا أولا ثم هاجروا، ولكن مع ذلك فحكم الآية عام؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لَا بخصوصِ السبب، ولقد قال الله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨).
ولقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ...)، اللهم إنا برآء ممن
جعل نصرته عندهم، فإنه منهم.
ولقد روى أن النبي - ﷺ - قال " لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله، حتى يحب في الله أبعد الناس، ويبغض في الله أقرب الناس إليه " (١).
ولقد قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢).
________
(١) ذكره أبو السعود في تفسيره: ج ٤، ص ٥٤، والزمخشري في الكشاف: ج ٢، ص ١٨١، برقم (٤٥٣).