كالخنازير، ولكن نجس العين يكون بأصل التكوين والخلق، وهؤلاء لم يخلقوا أنجاسًا، ولكن خلقوا على الفطرة حنفاء، ولكن انحرفوا تقليدا لآبائهم، أو اتباعا لأهوائهم، فكانت النجاسة أمرا عارضا، وما يكون أمرا عارضا يكون قابلا للتغيير إذا رجعوا فلا يكون أمرا ذاتيا كنجاسة الخنازير، ولذا قال الأئمة أصحاب المذاهب: إن النجاسة نجاسة الشرك، فمصافحتهم تجوز، ومبايعتهم على الإيمان تجوز، وغير ذلك من الملامسات الجسدية.
وقوله تعالى: (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) (الفاء) هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ لأنهم إذا كانوا أنجاسا بشركهم لَا يصح أن يدخلوا المسجد الحرام، و (لا) هنا ناهية داخلة على فعل للغائب؛ فهي دالة على نهى المؤمنين عن أن يدخلوهم المسجد الحرام، وأن يمنعوهم منعا باتا قاطعا، وعبَّر بالغيبة مبالغة في النهي، كأنهم نفذوا، وأخبر عنهم بأنهم لم يدخلوهم، وعبر في النهي بقوله تعالى: (فَلا يَقْرَبُوا) بدل (لا يدخلوا) مبالغة في النهي عن الدخول، وللدلالة على أنه يجب تطهير ما حول المسجد من الشرك والمشركين، وإذا كانوا لَا يقربون المسجد الحرام، فإنهم بالأولى لَا يحجون ولا يعتمرون كما كانوا يفعلون في الجاهلية، وقد كانوا يتولون سقاية الحجيج، وسدانة البيت، فمنعوا من ذلك ومن كانوا يتولون السقاية والسدانة، وبيدهم مفاتيح البيت في الجاهلية بقيت في أيديهم بعد أن أسلموا، فتولوها بصفتهم مسلمين غير مشركين باللَّه تعالى.
وان النهي عن دخول المسجد الحرام يدل على حرمة دخوله بالنص، وعلى حرمة دخول غيره من المساجد بالقياس عليه، وبالنص المشير إلى ذلك بقوله:
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (٣٧).