وإن رفعة المساجد في الآية الكريمة تومئ إلى ألا يدخلها من يشرك بالله أحجارا أو أشخاصا، أوصافهم تتنافى مع أوصاف الذين يسبحون فيها بالغدو والآصال.
ولقد كان حجيج المشركين من شتى البلاد العربية يوجدون رواجا ماديا بين أهل مكة، كما قال تعالى عن إبراهيم: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ...).
فإذا منع المشركون حُرم سكان مكة، وهم المسلموِن بعد الفتح من ذلك الوفد الذي يجيء إليه، ولذا قال تعالى: (وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةَ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ) العيلة: الفقر إذا حرموا من أرفاق المشركين ومتاجرهم، وقد قدر الله خوفهم من الفقراء، أو قلة المال إذا منع المشركون من الحج وقصد بيت الله الحرام فقال: (وَإِنْ خِفْتُمْ) وعبر للدلالة على أن تقدير الخوف مشكوك فيه منهم؛ لأن الإيمان يجعلهم يطمئنون ولا يخافون، ومع ذلك طمأنهم الله تعالى فأكد أنه سيغنيهم الله من فضله إن شاء، ونشير هنا إلى أمرين:
أولهما - أن قوله تعالى: (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) (الفاء) فيها في جواب الشرط، و (سوف) لتأكيد وقوع الإغناء إن شاء الله تعالى في المستقبل، فالسين وسوف لتأكيد الوقوع في المستقبل.
ثانيهما - التعبير بقوله تعالى: (مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ) فذكر الفضل منسوبا إلى الله تعالى فيه إشارة إلى أنهم لَا يرزقونكم بل الرزاق ذو القوة المتين هو الله الذي يرزقكم من فضله، وقوله: (إن شاء) بالتعليق على مشيئته سبحانه وتعالى فيه إشارة إلى: أولا بأن ذلك بمشيئته سبحانه إذا اتخذوا الأسباب، وإن ذلك حسب حكمته؛ يغنيهم إن لم يطغهم الغنى، ويحرمهم إن كان الحرمان يفطم نفوسهم، ويقوي إرادتهم ويعودهم الصبر، والصبر عزيمة الأمور.
ولذا ختم الآية الكريمة بقوله تعالت كلماته: (إِنُّ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) في الجملة تأكيد بالجملة الاسمية، وبـ (إنَّ) وبتصدير الكلام بلفظ الجلالة الذي تتصف