ذاته الكريمة بكل كمال وجلال، وفي هذا التصدير دلالة على صدق ما وعد، و (عَلِيمٌ) ي علم كل شيء وما تعلمون وما لَا تعلمون، و (حَكيم) ويدبر الوجود بمقتضى حكمته.
وقد أنجز الله تعالى ما وعد، فقد أغنى الله تعالى أهل مكة ومن حولهم بالجزية والخراج، وإسلام أهل اليمن، وكان ذلك عقب الفتح، فجاءهم الحجيج بأرفاقهم، مسلمين غير مشركين، وما حرموا من خير كان يجيء إليهم، بل استمر ومعه زيادة وهو يجيء طيبا من أطهار، وأرسل عليه السماء مدرارا، فأنبت الزرع وأثمر الشجر، وأتت الأنعام بالخير.
قلنا في أول تفسير هذه الآية، إن المشركين هنا تعم المشركين الذين يعبدون الأحجار، والذين يعبدون الأشخاص. ولذلك قال تعالى:
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)
ذكرنا أن النصارى واليهود، لأنهم عبدوا أشخاصًا وافتروا على الله تعالى - مشركون، وإن سُموا أهل كتاب؛ لأن الله تعالى بعث إليهم رسولين من أولي العزم من الرسل، وأنهم حرفوا تعاليمهم، وكتبهم التي نزلت من عند الله تعالى، وقد أمر الله تعالى بقتالهم كالمشركين على سواء؛ لأن الشرك يجمعهم وإن اختلفوا عنهم بأن كتابا جاء بالتوحيد خوطبوا به، فكانت الحجة قائمة عليهم أشد من قيامها على الأميين من المشركين.
ولذا ذكر الله تعالى وصفا موجبا للقتال يجمعهم مع المشركين، فقال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) وكرر لا لتأكيد كفرهم باليوم الآخر؛ لأنهم صدقوا به على انحراف، فاليهود منهم الفريسيون، لَا يؤمنون بيوم الآخرة قط، وسائرهم لَا يؤمن بالجزاء الأخروي،