ويعتقدون أن ما ذكر من عذاب العصاة والمذنبين إنما هو في الدنيا، لَا في الآخرة بل إنهم ينكرون الروح ولا يؤمنون إلا بالمادة، فهم ماديون في اعتقادهم من كل الوجوه.
والنصارى لَا يؤمنون باليوم الآخر على الوجه الحقيقي، فهم يقولون إن الذي يدين الناس به هو المسيح لَا الله وحده.
ويعتقدون أنه شريك لله تعالى في الدنيا على أنه الابن، وهو بهذا الوصف هو الذي يُدين، فالطائفتان لَا تؤمنان بالآخرة ولا تؤمنان بالله حق إيمانه، فهم يشركون بالله في العبادة أشخاصا، ويستوي من يشرك مع اللَّه حجرا، ومن يشرك مع الله شخصا، فالاثنان مشركان، وكلاهما يشرك من ليس له مع الله تعالى أمر، ومن لَا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولو كان نبيا مرسلا، كما قال النبي - ﷺ - وحكى عنه ربه: (فل لَا أَمْلِك لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا...).
وقال الله تعالى في تكملة أوصافهم (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) لقد حرم عليهم في التوراة، وهي شريعة لليهود والنصارى أكل الخنزير فأكلوه، وحرم عليهم الربا، فاستحلوه، وحرم عليهم أن يسفكوا دماءهم فسفكوها، وكانوا كالمشركين يحرمون الطيبات ويستحلون الخبائث.
ثم ذكر سبحانه وتعالى من أوصافهم التمرد على الحق، (وَلا يَدِينونَ دِينَ الْحَقِّ)، أي لَا يدينون دين الإسلام الذي - هو الحق في ذاته، لقيام الأدلة والبراهين والآيات القاطعة المثبتة صحة نبوة محمد، ونزول القرآن الكريم عليه، وعجز العرب عن أن يأتوا بمثله، بل عجز الناس أجمعين ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وثبت أن هذا الدين هو الحق الخالد الذي نسخ ما قبله من الأديان؛ لأن فيه خلاصتها الباقية، ولو كان موسى بن عمران حيا لآمن به واتبعه، وعندهم العلم به، لأن التوراة والإنجيل قد بشَّرا به، ويعرفون رسالة محمد كما يعرفون آباءهم وأبناءهم، ومع ذلك تمردوا ولم يؤمنوا ولما جاءهم ما عرفوا كفروا به.


الصفحة التالية
Icon