وكان خليقا بالمشركين أن يؤمنوا إذ تحداهم وأعجزهم، ولكن لم يدفعهم العجز إلى الإيمان بل دفعهم إلى الجحود والعناد، ليس لحجة عندهم بل لأنه كان غريبا لم يألفوه أو يعرفوه، ولذا قال تعالى:
(أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ... (٢)
والاستفهام هنا لإنكار الواقع وهو بمعنى التعجب من عجبهم، والتوبيخ على أنهم اتخذوا إرسال رجل منهم موضعا للعجب، فالرسول لَا يمكن أن يكون إلا رجلا منهم فلا يصح أن يكون ملكا من الملائكة كما قال تعالى:
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ).
وقد كان تَعَجُّبهم لأمور ثلاثة:
أولها - أنه أوحى إلى رجل، وما كانوا يفهمون أن الرسالات تكون لرجال منهم.
ثانيها - أنه يتيم فقير، كان يسمى يتيم أبي طالب، وأنه ليس من الأغنياء وكانوا هم العظماء
(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ منَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم).
ثالثها - أنه فوق هذا جاء للإنذار بالبعث فكان قولهم:
(إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
وفى هذا أشد العجب من أمرهم كما يقول تعالى:
(وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كنَّا ترَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ...).
هذا تعجبهم، والإنكار التعجبي من عجبهم لتلك الحقائق الثابتة، والإرسال لا يكون إلا لرجل كما تلونا ولقوله تعالى: